أفعاله تعالى بمجرّد الإرادة بلا غرض أصلا ، ولم يكتفوا منّا بالغرض العائد إلى العبد أو النظام.
وقالوا : إنّ الاكتفاء به خلاف الضرورة كما سمعته في دليلهم (١).
وما قيل : إنّ الغرض علّة لعلّيّة العلّة الفاعليّة ، فلو كان لفعله تعالى غرض لاحتاج في علّيّته إليه ، والمحتاج إلى الغير مستكمل به.
ففيه : إنّ هذا الاحتياج ليس من استكمال الذات في شيء ، بل هو من باب شرط الفعل أو شرط كماله نظير احتياجه في علّيّته للكائنات إلى إمكانها ، واحتياجه في كونه رازقا إلى وجود من يرزقه ، وفي تعلّق علمه إلى ثبوت المعلومات.
على أنّ الأشاعرة قائلون باحتياجه في أفعاله تعالى إلى صفاته الزائدة على ذاته ، وإنّه مستكمل بها (٢) .. فما بالهم يستبشعون من استكماله تعالى بالغرض لو فرض به استكمال لذاته؟!
فإن قلت : نرى بعض الأشياء بلا غرض ولا مصلحة كإماتة الأنبياء ، وإبقاء إبليس ، وتخليد الكفّار بالنار.
قلت : لا ريب أنّ موت الأنبياء مصلحة لهم لخلاصهم من مكاره الدنيا ووصولهم إلى الدرجات العليا ، وهو غرض راجح لهم ، كما أنّ بقاء إبليس مصلحة للمؤمنين بمجاهدتهم له الموجبة لفوزهم بالأجر ، مع أنّ به تمييز الخبيث من الطيّب وتمحيص الناس ، فينال كلّ امرئ استحقاقه ، قال
__________________
(١) انظر الصفحة ٢٩ من هذا الجزء.
(٢) تمهيد الأوائل : ٢٢٧ ، الملل والنحل ١ / ٨١ ـ ٨٢ ، المواقف : ٢٧٩ ، شرح المواقف ٨ / ٤٤ ـ ٤٥.