وأقول :
لا ريب أنّ المدح والذمّ يتبعان حسن الأشياء وقبحها ، والحسن والقبح في الأفعال إنّما يكونان من حيث صدورها من فاعلها وتأثيره فيها بقدرته واختياره ، لا لذواتها ، ولذا لو صدر من النائم أو المكره فعل لم يمدح ولا يذمّ عليه.
وحينئذ فلا يصحّ تعلّق المدح والذمّ بالعبد بمجرّد جعل الله تعالى له محلّا لفعله من دون قدرة له على الامتناع ولا تأثير له في الفعل ، فلا وجه لجعل الكسب موجبا لترتّب مدح العبد وذمّه على الفعل ، فإنّه بأيّ معنى فسّر لم يصدر كأصل الفعل بقدرة العبد واختياره ، وما لم يصدر من العبد شيء لا يحسن مدحه أو ذمّه عليه.
وأمّا ما حكاه عن أهل اللغة من أنّ المدح يعمّ الأفعال الاختيارية وغيرها (١) ..
ففيه : إنّ مرادهم بالغير هو الصفات كصفاء اللؤلؤ ، لا ما يعمّ الأفعال التي تقع بلا قدرة واختيار ، فإنّه خلاف الضرورة.
ولكن على هذا يشكل ذكر المصنّف للطول والقصر ، وكون السماء فوقنا والأرض تحتنا ، فإنّها ليست من الأفعال حتّى يكون عدم المدح والذمّ عليها شاهدا للمدّعى.
__________________
(١) مثل الثناء على الشيء بما فيه من الصفات الجميلة ، خلقية كانت أو اختيارية ؛ انظر مادّة « مدح » في : المصباح المنير : ٢١٦ ، تاج العروس ٤ / ١٩٩.