وقال الفضل (١) :
القول الثاني الذي ذكره في معنى الكسب هو مذهب القاضي أبي بكر الباقلّاني من الأشاعرة ..
ومذهبه : إنّ الأفعال الاختيارية من العبد واقعة بمجموع القدرتين ، على أنّ تتعلّق قدرة الله تعالى بأصل الفعل ، وقدرة العبد بصفته ، أعني بكونه طاعة أو معصية إلى غير ذلك من الأوصاف التي لا يوصف بها أفعاله تعالى ، كما في لطم اليتيم تأديبا أو إيذاء ، فإنّ ذات اللطم واقعة بقدرة الله تعالى وتأثيره ، وكونه طاعة على الأوّل ومعصية على الثاني بقدرة العبد وتأثيره (٢).
هذا مذهب القاضي ، وهو غير مقبول عند عامّة الأصحاب ؛ لشمول الأدلّة المبطلة لمدخلية اختيار العبد في التأثير في أصل الفعل تأثيره في الصفة بلا فرق.
وهذا الإبطال مشهور في كتب الأشاعرة (٣) فليس من خواصّه.
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٢ / ١٣٩.
(٢) التقريب والإرشاد ١ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، تمهيد الأوائل : ٣٤٧ ، المواقف : ٣١٢ ، شرح المواقف ٨ / ١٤٧.
(٣) المعروف أنّ أوّل من أثبت من الأشاعرة تأثيرا غير مستقلّ لقدرة العبد في الفعل هو أبو المعالي الجويني في كتابه « النظامية » كما في العلم الشامخ : ٣٣١ ، وحكاه عنه كذلك الشهرستاني في الملل والنحل ١ / ٨٥ ، وردّه الشهرستاني في نهاية الإقدام في علم الكلام : ٧٨ ـ ٧٩ قائلا باستحالة هذا التأثير.
هذا ، ولم يعرف للأشاعرة قول بتأثير قدرة العبد إلّا عند متأخّريهم ، كالشعراني في اليواقيت والجواهر ١ / ١٣٩ ـ ١٤١ ، والزرقاني في مناهل العرفان ٢ / ٢٩ ـ ٣٢.