وأقول :
سبق في أوّل المبحث أنّ القول بعدم تأثير قدرة العبد واختياره خلاف الضرورة ، وأنّ من أنكر تأثير قدرته ليس له طريق إلى إثبات وجودها (١).
كما سبق هناك أنّ الإرادة ومقدّماتها ، من تصوّر المراد ، والتصديق بمصلحته ، والرضا به ، أفعال للعباد وآثار لقدرتهم ، وأنّه ربّما تقع المقدّمات من الله تعالى ، وقد أوضحناه فراجع (٢) ، فلا محلّ لعجبه كلّ العجب.
ومن خلوّ وطاب (٣) الأشاعرة من النقد على مذهب العدليّة التجأوا إلى التهويل بالألفاظ ، فعبّروا عن فعل العبد بالخلق والشرك ، اللذين ينصرف أوّلهما إلى فعل كامل القدرة ، وثانيهما : إلى الشرك في الإلهيّة ..
وهم أحقّ بالشرك ؛ لإثباتهم الصفات الزائدة المغايرة لله تعالى في وجوده ، ولا تقوم الإلهيّة إلّا بها ، مع أنّهم ـ أيضا ـ أثبتوا هذه الصفات لأنفسهم (٤)!
__________________
(١) راجع الصفحة ١٢٠.
(٢) راجع الصفحة ١٢٤ ـ ١٢٥.
(٣) الوطاب ، جمع وطب : وهو سقاء اللبن ؛ انظر : لسان العرب ١٥ / ٣٣٤ ، تاج العروس ٢ / ٤٦٩ ، مادّة « وطب ».
وهو هنا كناية عن خلوّ جعبتهم من الحجّة والبرهان.
(٤) انظر : الأربعين في أصول الدين ـ للفخر الرازي ـ ١ / ١٣٨ ، المواقف : ٢٦٩ ؛ وقد تقدّم هذا البحث في ج ٢ / ١٧٣ وما بعدها ، فراجع.