وقال الفضل (١) :
حاصل ما ينعقد في هذا الاستدلال من هذا الكلام : أنّ الله تعالى لو لم يخلق المعجزة لغرض تصديق الأنبياء لم يثبت النبوّة ، فعلم أنّ بعض أفعاله تعالى معلّلة بالأغراض.
والجواب : إنّه إن أراد بهذا الغرض العلّة الغائيّة الباعثة للفاعل المختار على فعله الاختياري ؛ فهو ممنوع.
وإن أراد أنّ الله تعالى يفيض المعجزة بالقصد والاختيار ، وغايته وفائدته تصديق النبيّ من غير أن يكون تصديق النبيّ باعثا على إفاضة المعجزة ، فهذا مسلّم ، ويحصل تصديق الأنبياء من غير إثبات الغرض ، وهذا مذهب الأشاعرة كما قدّمنا.
ثمّ إنّ هذا الرجل يفتري عليهم المدّعيات المخترعة من عند نفسه من غير تفهّم لكلامهم وتأمّل في غرضهم ، فإنّهم يعنون بنفي الغرض نفي الاحتياج من الله تعالى ، ووافقهم في ذلك جميع الحكماء الإلهيّين (٢).
فإن كان هذا المدّعي صادقا ، فكيف يكفّرهم ويرجّح عليهم اليهود والنصارى؟!
وإن كان باطلا ، فيكون غلطا منهم في عقيدة بعثهم على اختيارها
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٣٩.
(٢) هذا ادّعاء الجرجاني في شرح المواقف ٨ / ٢٠٢ المقصد الثامن ، وقد تقدّم في الصفحة ٣١ من هذا الجزء أنّ الحكماء لم ينفوا كلّيّ الغرض ، وإنّما نفوا الغرض الذي به الاستكمال ؛ فراجع!