وقال الفضل (١) :
مذهب الأشاعرة : إنّ تكليف ما لا يطاق جائز ، والمراد من هذا الجواز ، الإمكان الذاتي ، وهم متّفقون أنّ التكليف بما لا يطاق لم يقع قطّ في الشريعة بحكم الاستقراء ، ولقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ).
والدليل على جوازه : إنّه تعالى لا يجب عليه شيء ، فيجوز له التكليف بأيّ وجه أراد ، وإن كان العلم العادي أفادنا عدم وقوعه.
وأيضا : لا يقبح من الله شيء ، إذ يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد.
ومذهب المعتزلة : عدم جواز التكليف بما لا يطاق ؛ لأنّه قبيح عقلا بما ذكره هذا الرجل من أنّ المكلّف للزمن الطيران إلى السماء وأمثاله يعدّ سفها ، وقد مرّ في ما مضى إبطال الحسن والقبح العقليّين (٢).
ولا بدّ في المقام من تحرير محلّ النزاع ، فنقول : إنّ ما لا يطاق على مراتب :
أحدها : أن يمتنع الفعل لعلم الله بعدم وقوعه ، أو تعلّق إرادته أو إخباره بعدمه ، فإنّ مثله لا تتعلّق به القدرة الحادثة ؛ لأنّ القدرة الحادثة مع الفعل لا قبله ، ولا تتعلّق بالضدّين ، بل لكلّ واحد منهما قدرة على حدة تتعلّق به حال وجوده عندنا ، ومثل هذا الشيء لمّا لم يتحقّق أصلا
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ١ / ٤٧٢.
(٢) انظر ردّ الفضل في ج ٢ / ٣٣٠ ـ ٣٣١ من هذا الكتاب.