قال المصنّف ـ زاد الله في علوّ درجاته ـ (١) :
ومنها : إنّه يلزم منه تجويز انتفاء ما علم بالضرورة ثبوته ..
بيانه : إنّا نعلم بالضرورة أنّ أفعالنا إنّما تقع بحسب قصودنا ودواعينا ، وتنتفي بحسب انتفاء الدواعي وثبوت الصوارف ، فإنّا نعلم بالضرورة أنّا متى أردنا الفعل ، وخلص الداعي إلى إيجاده ، وانتفى الصارف ، فإنّه يقع ، ومتى كرهناه لم يقع.
فإنّ الإنسان متى اشتدّ به الجوع وكان تناول الطعام ممكنا ، فإنّه يصدر منه تناول الطعام ، ومتى اعتقد أنّ في الطعام سمّا انصرف عنه ، وكذا يعلم من حال غيره ذلك ، فإنّا نعلم بالضرورة أنّ شخصا لو اشتدّ به العطش ولا مانع له من شرب الماء ، فإنّه يشربه بالضرورة ، ومتى علم مضرّة دخول النار لم يدخلها.
ولو كانت الأفعال صادرة من الله تعالى ، جاز أن يقع الفعل وإن كرهناه وانتفى الداعي إليه ، ويمتنع صدوره عنّا وإن أردناه وخلص الداعي إلى إيجاده على تقدير أن لا يفعله الله تعالى ، وذلك معلوم البطلان.
فكيف يرتضي العاقل لنفسه مذهبا يقوده إلى بطلان ما علم بالضرورة ثبوته؟!
* * *
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٠٤.