قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ (١) :
الثالث : لم لا يوقعه القادر مع التساوي؟ فإنّ القادر يرجّح أحد مقدوريه على الآخر ، من غير مرجّح.
وقد ذهب إلى هذا جماعة من المتكلّمين (٢) ، وتمثّلوا في ذلك بصورة وجدانية ، كالجائع يحضره رغيفان متساويان من جميع الوجوه ، فإنّه يتناول أحدهما من غير مرجّح ، ولا يمتنع من الأكل حتّى يترجّح لمرجّح ، والعطشان يحضره إناءان متساويان من جميع الوجوه ، والهارب من السبع إذا عنّ (٣) له طريقان متساويان فإنّه يسلك أحدهما ولا ينتظر حصول المرجّح.
وإذا كان هذا الحكم وجدانيا ، كيف يمكن الاستدلال على نقيضه؟!
الرابع : إنّ هذا الدليل ينافي مذهبهم ، فلا يصحّ لهم الاحتجاج به ؛ لأنّ مذهبهم أنّ القدرة لا تصلح للضدّين (٤) ، فالمتمكّن من الفعل يخرج عن القدرة ؛ لعدم التمكّن من الترك.
وإن خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضدّين ، لزمهم وجود الضدّين دفعة
__________________
(١) نهج الحقّ : ١٢٣.
(٢) انظر : المطالب العالية من العلم الإلهي ١ / ١٠٨ ، شرح المقاصد ١ / ٤٨٤.
(٣) عنّ الشيء : ظهر أمامك ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ٤٣٧ مادّة « عنن ».
(٤) تمهيد الأوائل : ٣٢٦ و ٣٣٦ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ٢٠١ ، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين : ١٥٣ ، المواقف : ١٥٣.