وأقول :
قد سبق أنّ خلق الشيء بالاختيار يتوقّف على الرضا به والحبّ له (١) ، فيلزم ـ بناء على أنّه سبحانه خالق القبائح والفساد والكفر ـ أن تكذب الآيتان الأوليان.
كما يلزم ـ بناء عليه ـ أن تكذب الآيات النافية للظلم منه تعالى ؛ لأنّه إذا خلق ظلم الناس بعضهم لبعض كان هو الظالم للمظلوم حقيقة ، مضافا إلى أنّ خلقه تعالى لسيّئات العباد وتعذيبهم عليها ظلم لهم بالضرورة.
ويلزم ـ أيضا ـ أن تكذب الآية الأخيرة ؛ لأنّه إذا خلق الفحشاء لم يصحّ أن يتنزّه عن الأمر بها ، بل خلقه للفحشاء بقوله : « كوني » بمنزلة أمر الفاعل بها.
فإن قلت : لا ظلم منه تعالى ؛ لأنّه المالك المطلق ، وقد تصرّف في ملكه.
قلت : تصرّف المالك بملكه ـ ذي الحياة والشعور ـ بالإضرار به بلا سبب ظلم له بالضرورة ، ويدلّ عليه قوله تعالى : ( وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) (٢).
فإنّه صريح بأنّ إهلاك القرى مع إصلاح أهلها ظلم ، والحال أنّه من التصرّف في الملك.
وممّا ذكرنا يعلم أنّ ما زعمه الخصم من أنّهم ينفون الظلم والرضا
__________________
(١) مرّ كلام الشيخ المظفّر قدسسره بهذا الخصوص في ج ٢ / ٣٦٤ من هذا الكتاب.
(٢) سورة هود ١١ : ١١٧.