وأقول :
من المضحك استدلاله بما عن أبي موسى عن دعوى عدم الظلم ، ردّا على ما يدركه كلّ ذي وجدان ، من أنّ خلق المعصية والمعاداة عليها سفه وظلم ، فكأنّه لم يرض أن يختصّ شيخهم الأشعري بهذه الخرافة حتّى أشرك معه جدّه ، ولا يخفى أنّ تنظيره بالبيت مخالف لما نحن فيه من وجهين :
الأوّل : إنّ حسن وجود المستراح في البيت ومدخليّته فيه ظاهر لكلّ أحد ، إذ لولاه لتلوّث البيت وتكدّرت حياة أهله ، بخلاف محلّ النزاع من أفعال العباد ، كالجور والنميمة والقتل والسرقة وقطع السبيل ونحوها ، فإنّها شرور في العالم توجب الفساد فيه والنقصان في نظامه لا الكمال.
الثاني : إنّ جعل المستراح محلّا للقذر لا ظلم فيه له لعدم شعوره ، بخلاف جعل العاصي محلّا للأفعال الذميمة ثمّ عقابه عليها.
ومن أغرب الغريب قوله : « ولم يملأ النار من العصاة » ..
فإنّه كلام من يرى أنّ لله سبحانه حاجة وفائدة في أن يملأها من عباده.
على أنّه إذا كان له التصرّف كيفما شاء لم يحتج إلى خلق المعصية ، بل له أن يملأها منهم ابتداء.
وليت شعري أمن الرحمة بعدما كمّل بهم نظامه ووسمهم بالسوء أن يعاقبهم؟! بل هم أولى بالثواب.