والمعنى مناسبة طبيعيّة تقتضي دلالة كلّ لفظ على معناه لذاته ، فذهب المصنّف وجميع المحقّقين إلى أنّ هذا القول فاسد ما دام محمولا على ما يفهم منه ظاهرا (١) ، لأنّ (٢) دلالة اللّفظ على المعنى لو كانت لذاته كدلالته على اللّافظ (٣) لوجب (٤) أن لا تختلف اللّغات باختلاف الامم ، وأن يفهم كلّ واحد معنى كلّ لفظ لعدم انفكاك المدلول عن الدّليل (٥) ، ولامتنع (٦) أن يجعل اللّفظ بواسطة القرينة بحيث يدلّ
________________________________________________________
أو جماعة من النّاس ، أو بخلق علم ضروريّ في واحد أو جماعة من النّاس.
ذهب عبّاد بن سليمان الصّيمري ومن تبعه إلى أنّ المخصّص لدلالة هذا اللّفظ على هذا المعنى دون غيره من المعاني ذات الكلمة ، يعني أنّ بين اللّفظ والمعنى مناسبة طبيعيّة تقتضي دلالة اللّفظ على هذا المعنى ، فكلّ من سمع اللّفظ فهم معناه ، لما بينهما من المناسبة الذّاتيّة ، ولا يحتاج في دلالته على معناه للوضع ، للاستغناء عنه بالمناسبة الذّاتيّة الّتي بينهما. وهذا القول على ظاهره فاسد ، ووجه فساده مبيّن في كلام الشّارح.
(١) وهو أنّ المخصّص ذات اللّفظ ، فلا حاجة إلى الوضع بعد كون دلالة اللّفظ لذاته.
(٢) علّة لفساد هذا القول.
(٣) أي كما كانت دلالة اللّفظ على وجوده وحياته لذاته من غير حاجة إلى الواضع والتّعيين.
(٤) أي جواب لقوله : «لو كانت لذاته» أي لو كانت الدّلالة ذاتيّة لوجب أن لا تختلف اللّغات باختلاف الأمم ، بأن يفهم كلّ واحد معنى كلّ لفظ ، لكون دلالته عليه لذاته ، والتّالي باطل فالمقدّم مثله ، أي عدم اختلاف اللّغات باطل ، فإنّها مختلفة كما في لفظة (دود) فإنّها بالفارسيّة بمعنى الدّخّان ، وبالهنديّة بمعنى اللّبن ، وبالعربيّة بمعنى الحيوان المعروف ، فالدّلالة الذّاتيّة أيضا باطل.
(٥) أي لأنّ الدّليل ما يلزم من العلم به العلم بثبوت المدلول.
(٦) هذا هو الدّليل الثّاني على فساد القول بأنّه دلالة اللّفظ على معناه لذاته ، إذ لو كانت لذاته لامتنع جعل لفظ الأسد مثلا مجازا في الرّجل الشّجاع بحيث يدلّ بواسطة القرينة على الرّجل الشّجاع دون الحيوان المفترس ، «لأنّ ما بالذّات» أي الدّلالة على المعنى الحقيقي «لا يزول بالغير» أي بالقرينة.