حتّى كأنّها من الجيش إلّا أنّها لم تقاتل ، فإنّ أبا تمّام لم يلم بشيء من معنى قول الأفوه : رأي عين] الدّالّ على قرب الطّير من الجيش بحيث ترى عيانا لا تخيّلا ، وهذا مما يؤكّد شجاعتهم وقتلهم الأعادي [و] لا بشيء من معنى [قوله : ـ ثقة أن ستمار] الدّالّ على وثوق الطّير بالميرة (١) لاعتيادها ذلك ، وهذا أيضا مما يؤكّد المقصود (٢) ، قيل : إنّ قول أبي تمّام ـ ظللت ـ إلمام ، بمعنى قوله : رأي عين ـ لأنّ وقوع الظّلّ على الرّايات مشعر بقربها من الجيش ، وفيه نظر (٣) إذ قد يقع ظل الطّير على الرّاية وهو في جو السّماء بحيث لا يرى أصلا. نعم لو قيل : إنّ قوله : حتّى كأنّها من الجيش ، إلمام بمعنى قوله : رأي عين ، ـ فإنّما تكون من الجيش إذا كانت قريبا منهم مختلطا بهم ، لم يبعد الصّواب. [لكن زاد] أبو تمّام [عليه] أي على الأفوه زيادات محسّنة للمعنى المأخوذ من الأفوه ، أعني تساير الطّير على آثارهم [بقوله : إلّا أنّها لم تقاتل ، وبقوله : في الدّماء نواهل ، وبإقامتها مع الرّوايات حتّى كأنّها من الجيش ، وبها] أي وبإقامتها مع الرّايات حتّى كأنّها من الجيش [يتمّ حسن الأوّل (٤)]
________________________________________________________
الأوّل : إلّا أنّها لم تقاتل ، والثّاني : في الدّماء نواهل ، والثّالث : إقامتها مع الرّايات حتّى كأنّها من الجيش.
(١) أي بالطّعام.
(٢) أعني وصفهم بالشّجاعة والاقتدار على قتل الأعادي ، والمشار إليه لقوله : «هذا» ، هو كون الطّير قريبا من الجيش بحيث يرى معاينة ممّا يؤكّد المعنى المقصود للشّاعر ، وهو وصفهم بالشّجاعة والاقتدار على قتل الأعادي.
(٣) حاصله : أنّ وقوع ظلّ الطّير على الرّايات لا يستلزم قربه منها بدليل ظلّ الطّير يمرّ بالأرض ، والحال إنّ الطّير في الجو بحيث لا يرى.
(٤) من الزّيادات الثّلاث في كلام الخطيب ، أعني قوله : إلّا أنّها لم تقاتل ، لا الأوّل في كلام أبي تمّام ، لأنّه في كلامه آخر البيت.
والحاصل إنّ قول أبي تمّام ـ أقامت مع الرّايات حتّى كأنّها من الجيش موجب لتماميّة حسن قوله إلّا أنّها لم تقاتل لأنّه لو ترك أقامت مع الرّايات حتّى كأنّها من الجيش ، وقيل :
ظللت عقبان الرّايات بعقبان الطّير إلّا أنّها لم تقاتل لم يحسن هذا الاستثناء المنقطع ، أي قوله :
إلّا أنّها لم تقاتل «ذلك الحسن» الّذي مع ذكر قوله أقامت مع الرّايات حتّى كأنّها من ـ الجيش ،