الطّيّب ـ ولقد يكون ـ بلفظ المضارع لم يقع موقعه ، إذ المعنى على المضيّ.
فإن قيل (١) : المراد لقد يكون الزّمان بخيلا بهلاكه ، أي لا يسمح بهلاكه قطّ لعلمه بأنّه سبب لصلاح العالم ، والزّمان وإن سخا بوجوده وبذله للغير لكن إعدامه وإفناؤه باق بعد في تصرّفه.
قلنا (٢) : هذا تقدير لا قرينة عليه ، وبعد صحّته ، فمصراع أبي تمّام أجود لاستغنائه عن مثل هذا التّكلّف [وإن كان] الثّاني [مثله] ، أي مثل الأوّل [فأبعد] ، أي فالثّاني أبعد [من الذّمّ ، والفضل للأوّل كقول أبي تمّام : لو حار] أي تحيّر في التّوصل إلى إهلاك النّفوس [مرتاد المنيّة] ، أي الطّالب الّذي هو المنيّة على أنّها إضافة بيان [لم يجد* إلّا الفراق على النّفوس دليلا ، وقول أبي الطّيّب :
لو لا مفارقة الأحباب ما وجدت |
|
لها المنايا إلى أرواحنا سبلا (٣)] |
________________________________________________________
فكيف يكون أحدهما مأخوذا من الآخر!
وحاصل الجواب :
أنّه لا يشترط في هذا النّوع من الأخذ عدم تغاير المعنيين أصلا ، فلا يشترط في هذا النّوع من الأخذ الاتّحاد من كلّ وجه ، بل يكفي الاتّحاد من بعض الوجوه كما هناك ، لأنّهما مشتركان في أصل البخل وإن اختلفا من جهة متعلّقه.
(١) أي في الجواب عن كون بيت أبي الطّيّب دون بيت أبي تمّام ، وحاصله : أنّا لا نسلّم أنّ بيت أبي الطّيّب دون بيت أبي تمّام ، لأنّ كلام أبي الطّيّب على حذف مضاف ، أي ولقد يكون بهلاكه الزّمان بخيلا ، وهلاكه استقباليّ وحينئذ فالتّعبير بالمضارع واقع في موقعه.
(٢) هذا ردّ للجواب المذكور ، وحاصل الرّدّ أنّ تقدير المضاف لا قرينة عليه.
(٣) والشّاهد : في أنّ أبا الطّيّب قد أخذ من كلام أبي تمّام المعنى كلّه مع بعض الألفاظ كالمنيّة والفراق والوجدان ، وبدّل بالنّفوس الأرواح.
والحاصل من معنى البيتين يرجع إلى شيء واحد ، وهو أنّه لا دليل للمنيّة على النّفوس إلّا الفراق ، أي فراق الأحبة فالثّاني أبعد عن الذّم من الثّاني من القسم الثّاني. قوله : «مرتاد» اسم فاعل من الارتياد بمعنى الطّلب ، وإضافته إلى المنيّة بيانيّة ، فالمنيّة الّتي هي الطّالبة للنّفوس ، كالرّائد الّذي يطلب الماء والكلأ.