وسرى سخاؤه إلى الزّمان [فسخا به] وأخرجه من العدم إلى الوجود ، ولو لا سخاؤه الّذي استفاده منه لبخل به على الدّنيا واستبقاه لنفسه ، كذا ذكر ابن جنّي. وقال ابن فورجة (١) : هذا تأويل فاسد ، لأنّ سخاء غير موجود لا يوصف بالعدوى ، وإنّما المراد سخا به عليّ وكان بخيلا به عليّ ، فلمّا أعداه سخاؤه أسعدني بضمّي إليه وهدايتي له ، لما أعدى سخاؤه [ولقد يكون به الزّمان بخيلا] ، فالمصراع الثّاني مأخوذ من المصراع الثّاني (٢) لأبي تمّام على كلّ من تفسيري ابن جني وابن فورجة ، إذ لا يشترط (٣) في هذا النّوع من الأخذ عدم تغاير المعنيين أصلا كما توهّمه البعض ، وإلّا لم يكن مأخوذا منه على تأويل ابن جنيّ أيضا ، لأنّ أبا تمّام علّق البخل بمثل المرثي ، وأبا الطّيّب بنفس الممدوح هذا ، ولكن مصراع أبي تمّام أجود سبكا ، لأنّ قول أبي
________________________________________________________
والشّاهد : في أنّ المصراع الثّاني من بيت أبي الطّيّب مأخوذ من المصراع الثّاني لبيت أبي تمّام ، وظاهر أنّ الأوّل أحسن من الثّاني ، لأنّ الثّاني عبّر بصيغة المضارع ، والمناسب صيغة الماضي بأن يقال : ولقد كان به الزّمان بخيلا.
(١) وحاصل الخلاف بين الشّيخين : أن قوله : «فسخا به» معناه على ما قال ابن جنّي : فجاد به على الدّنيا بإيجاده من العدم ، وعلى ما قال ابن فورجة : فجاد به عليّ ، وأظهره لي ، وقد زيّف ابن فورجة ما قاله ابن جنّي : بقوله «هذا تأويل فاسد» ، لأنّ سخاء الشّخص غير موجود لا يوصف بالعدوى ، أي بالسّريان للغير.
فالمعنى أنّه أعدى سخاه بعد وجوده الزّمان فسخا به عليّ وأسعدني بوصاله.
وبعبارة أخرى إنّما المراد أنّ الممدوح كان موجودا سخيّا وإن كان الزّمان بخيلا بالممدوح عليّ ، أي بإظهاره لي وهدايتي له ، فلمّا أعدى سخاؤه الزّمان سخا الزّمان بذلك الممدوح عليّ ، بضمّي إليه وهدايتي له ، فالموصوف بالعدوى ليس سخاء شخص غير موجود ، بل سخاء شخص موجود.
(٢) إشارة إلى محلّ الشّاهد الّذي عرفته.
(٣) جواب عن إشكال ، وحاصل الإشكال أنّ بين المصراعين مغايرة من حيث المعنى ، لأنّ معنى مصراع أبي تمّام ـ أنّ الزّمان بخيل بوجود مثل الممدوح ، ومعنى مصراع أبي الطّيّب أنّ الزّمان بخيل بإيجاد ذلك الممدوح أو بإيصاله إلى الشّاعر ،
فالبخل في الأوّل متعلّق بالمثل ، وفي الثّاني متعلّق بنفس الممدوح ، ومع هذا التّغاير