قد يكون أبيض وقد لا يكون ، على أنّ لفظ (١) المفتاح صريح في أنّ المجاز الّذي جعله منقسما إلى أقسام ليس هو المجاز المفرد المفسّر بالكلمة المستعملة في غير ما وضعت له ، لأنّه قال بعد تعريف المجاز : إنّ المجاز عند السّلف قسمان : لغوي ، وعقليّ (٢) ، واللّغوي قسمان : راجع إلى معنى (٣) الكلمة ،
________________________________________________________
الرّبيئة مجازا مرسلا ، وتنفرد الاستعارة عن المجاز المفرد في نحو : أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى ، وكما في تقسيم الأبيض إلى حيوان وغيره ، فإنّ النّسبة بين الحيوان والأبيض هي عموم وخصوص من وجه ، يجتمعان في الحيوان الأبيض ، وينفرد الأبيض في الثّلج والجصّ ، وينفرد الحيوان في الزّنجي.
(١) أي هذا جواب ثان يمنع كون المقسم الّذي قسّمه السّكّاكي للاستعارة وغيرها المجاز المفرد ، وحاصله : لا نسلّم أنّ المقسم في كلامه هو المجاز المفرد حتّى يقال كيف يجعل التّمثيل الّذي هو مركّب من أقسام المفرد بل المقسم في كلامه مطلق المجاز ، فقسّمه إلى الاستعارة وغيرها ، ثمّ قسّم الاستعارة إلى التّمثيليّة وغيرها ، وحينئذ فالمقسم صادق بالمركّب الّذي هو بعض الاستعارة ، فلا يلزم اجتماع الإفراد والتّركيب من حيث كون المقسم مركّبا ، والدّليل على أنّ المقسم في كلامه مطلق المجاز لا المجاز المفرد ، أنّه «قال بعد تعريف المجاز إنّ المجاز عند السّلف قسمان ...».
وحاصل الكلام في المقام أنّ الجواب الأوّل يرجع إلى تسليم أنّ المقسم في كلامه هو المجاز المفرد ، ولكن منع كون القسم أخصّ من المقسم مطلقا ، بل قد يكون القسم أعمّ من المقسم ، وذلك فيما إذا كانت النّسبة بينهما هي عموم وخصوص من وجه ، فلا مانع من كون قسم الشّيء كالاستعارة أعمّ منه ، وحيث كان الجواب الأوّل بالتّسليم ، والثّاني بالمنع فكان الواجب تقديم الجواب الثّاني على الأوّل ، لأنّ الجواب بالمنع يجب تقديمه صناعة في مقام المناظرة على الجواب بالتّسليم ، قوله : «إنّ المجاز عند السّلف» ، يعني مطلق المجاز لا المجاز المفرد «قسمان».
(٢) أي تقدّم بيان المجاز العقليّ في بحث الإسناد المجازي في أوّل الكتاب.
(٣) أي وهو أن تنقل الكلمة عن معناها الحقيقي إلى غيره ، كلفظ الأسد المستعمل في الرّجل الشّجاع ، وكلفظ المرسن المستعمل في الأنف.