فإنّ المستعار منه كسر الزّجاجة (١) وهو حسّيّ ، والمستعار له التبليغ (٢) والجامع التّأثير وهما (٣) عقليّان] والمعنى ابن (٤) الأمر إبانة لا تنمحي كما لا يلتئم صدع الزّجاجة. [وأمّا عكس ذلك] أي الطّرفإنّ مختلفان ، والحسّيّ هو المستعار له [نحو : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ)(١) (٥) ، فإنّ المستعار له كثرة الماء ، وهو حسّيّ (٦) ،
________________________________________________________
بحيث لا تعود لحالتها الأولى من الخفاء ، وأمّا في الكسر فلأنّه فيه تأثيرا لا يعود المكسور معه إلى الالتئام ، وهو كسر الشّيء الصّلب أقوى وأبين.
ولذلك قال الشّارح في تفسير اصدع : ابن الأمر إبانة لا تنمحي ، أي لا تعود إلى الخفاء ، كما أنّ كسر الزّجاجة لا يعود معه الالتئام.
(١) أي في القاموس الصّدع كسر الشّيء الصّلب ، وحينئذ فذكر الزّجاجة على سبيل التّمثيل ، فالمراد كسر الزّجاجة ونحوها ممّا لا يلتئم بعد الكسر ، وجعل الكسر حسّيّا باعتبار متعلّقه لا باعتبار ذاته ، وذلك لأنّ الكسر مصدر والمعنى المصدري لا وجود له في الخارج ، لأنّه مقارنة القدرة الحادثة للفعل ، وأمّا متعلّق الكسر وهو تفريق الأجزاء فهو أمر وجودي يدرك بالحاسّة.
(٢) أي تبليغ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أمر بإبلاغه إلى المبعوث إليهم ، أي بيانه لهم ، وفي القاموس التبليغ الإيصال ، وهو أمر عقليّ يكون بالقول وبالفعل وبالتّقرير ، فمن قال : إنّ التبليغ تكلّم بقول مخصوص فهو حسّيّ لم يأت بشيء.
(٣) أي والمستعار له الّذي هو التبليغ والجامع الّذي هو التّأثير عقليّان.
(٤) أي أظهره ووضّحه ، وأشار الشّارح بهذا إلى الباء في (بِما تُؤْمَرُ) للتّعدية ، وما مصدريّة ، أي بأمرك وإنّ المصدر مصدر المبنيّ للمفعول قوله : «لا تنمحي» صفة «إبانة» أي إبانة لا تزول ولا تندرس.
(٥) فإنّ المستعار له لفظ الطّغيان ، هو كثرة الماء والمستعار منه التّكبر الّذي هو الطّغيان حيث قال الله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى)(٢) ، والجامع بين التّكبّر وكثرة الماء هو الاستعلاء البارز على المتكبّر والماء الكثير ، والمعنى لمّا كثر الماء حملناكم ، أي حملنا آباءكم وأنتم في ظهورهم أو المراد حملناكم وأنتم في ظهور آبائكم في السّفينة
__________________
(١) سورة الحاقّة : ١١.
(٢) سورة العلق : ٦ و٧.