[بتصرّف في] الاستعارة [العامّيّة ، كما في قوله (١):] أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا [وسالت بأعناق المطى الأباطح (٢)] جمع أبطح وهو مسيل الماء فيه دقاق الحصى ، استعار سيلان السّيول الواقعة في الأباطح لسير (٣) الإبل سيرا حثيثا في غاية السّرعة المشتملة على لين وسلاسة ، والشّبه (٤) فيها ظاهر عامي لكن قد تصرف فيه بما أفاد اللطّف والغرابة [إذا أسند الفعل (٥)] أعني سالت [إلى الأباطح دون المطي] وأعناقها ، حتّى أفاد (٦) أنّه امتلأت الأباطح من الإبل.
________________________________________________________
(١) أي كثير عزّة من شعراء الدّولة الأمويّة ، وهو أبو صخر بن عبد الرّحمن بن أبي جمعة الخزاعي الشّاعر المشهور.
(٢) أي «الأباطح» فاعل لقوله : «سالت».
(٣) أي «لسير» متعلّق بقوله : «استعار» ، والشّاهد في أنّ الشّاعر استعار سيلان السّيول الواقعة في الأباطح لسير الإبل ، وجه الشّبه فيها ظاهر ، أي وهو غاية السّرعة واللّين والسّلاسة ، يقال : شيء سلس ، أي سهل ، ورجل سلس ، أي ليّن ، فالمستعار هنا هو «سالت» والمستعار منه هو سيلان السّيول ، والمستعار له هو سير الإبل ، والجامع هو غاية السّرعة ، فوجه الشّبه ظاهر عامي إلّا أنّ الشّاعر قد تصرّف فيه بما أفاد اللطّف والغرابة ، وقد أشار إلى التّصرف الموجب للغرابة بقوله : «إذا أسند الفعل إلى الأباطح».
(٤) أي ووجه الشّبه وهو قطع المسافة بسرعة «عامّي» أي يعرفه الخاصّة والعامّة.
(٥) أي أسند الفعل مجازا ، أي «سالت» المستعار لسارت إلى الأباطح دون المطي ، مع أنّه كان من حقّه أنّ يسند إلى المطي ، أو إلى أعناقها.
(٦) أي أفاد ذلك الإسناد أنّ الأباطح امتلأت من الإبل ، وذلك لأنّ نسبة الفعل الّذي هو صفة الحالّ إلى المحلّ تتغيّر بشيوعه في المحلّ ، وإحاطته بكلّه.
وتوضيح ذلك : إنّ السّيلان المستعار للسّير حقّه أن يسند إلى المطي ، لأنّها هي الّتي تسير فأسنده الشّاعر إلى الأباطح الّتي هي محلّ السّير ، فإسناد الفعل إلى المحلّ إشارة إلى كثرة الإبل ، وأنّها ملأت الأباطح ، لأنّ نسبة الفعل الّذي هو صفة الحالّ إلى المحلّ تشعر بشيوع الحالّ في المحلّ وإحاطته بكلّه ، فلا يقال : سارت الأباطح إلّا إذا امتلأت بالسّائر فيها ، لأنّه قد جعل كلّ محلّ منها سائرا لاشتماله على ما هو سائر فيه.