شبّه (١) هيئة وقوع العنان في موقعه من قربوس السّرج ممتدّا إلى جانبي فم الفرس بهيئة وقوع الثّوب في موقعه من ركبتي المحتبي ممتدّا إلى جانبي ظهره ، ثمّ استعار الاحتباء وهو أن يجمع الرّجل ظهره وساقيه بثوب أو غيره ، لوقوع العنان في قربوس السّرج ، فجاءت الاستعارة غريبة لغرابة الشّبه (٢) [وقد تحصل (٣)] أي الغرابة
________________________________________________________
(١) أي الشّاهد في أنّ الشّاعرة «شبّه هيئة وقوع العنان» ، أي شبّهت الهيئة الحاصلة من وقوع العنان في موضعه من قربوس السّرج بالهيئة الحاصلة من وقوع الثّوب في موضعه من ركبتي المحتبي ، ووجه الشّبه هو هيئة إحاطة شيء لشيئين ضامّا أحدهما إلى الآخر على أن يكون أحدهما أعلى والآخر أسفل ، واستعير الاحتباء وهو ضمّ الرّجل ظهره وساقيه بثوب وشبهه ، لإلقاء العنان وقوعه في قربوس السّرج لأجل ضمّ رأس الفرس إلى جهته ، واشتقّ من الاحتباء احتبى بمعنى وقع على طريق الاستعارة التّصريحيّة التبعيّة ، والكلام في هذا المقام طويل تركناه رعاية للاختصار.
والشّاهد في غرابة تشبيه الهيئة بالهيئة ، حيث إنّ لاجتماع ظهر الرّجل وساقيه بثوبه هيئة ، وهذه الهيئة مستعار منه ، ولاجتماع قربوس السّرج بعنانه أيضا هيئة ، وهذه الهيئة مستعار له ، والجامع بينهما هي الهيئة فيها الغرابة.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الشّاعر أوقع المقابلة والتّشبيه بين وقوع العنان على القربوس وبين وقوع الثّوب على الرّكبة ، فكلاهما عاليان ، وأوقع أيضا المقابلة بين جانبي فم الفرس وبين جانبي الظّهر ، فكلاهما سافلان ، فتكون الرّكبتان بمنزلة القربوس ، والظّهر بمنزلة فم الفرس.
(٢) أي وجه الغرابة في هذا الشّبه أنّ الانتقال إلى الاحتباء الّذي هو المشبّه به عند استحضار إلقاء العنان على القربوس للفرس في غاية النّدور ، لأنّ أحدهما من وادي الرّكوب والآخر من وادي القعود ، مع ما في الوجه من دقّة التّركيب ، وكثرة الاعتبارات الموجبة لغرابة إدراك وجه الشّبه ، وبعده عن الأذهان.
(٣) أي قوله : «وقد تحصل ...» عطف على قوله سابقا : «قد تكون» أي إنّ الغرابة قد تكون في نفس التّشبيه ، وقد تحصل بتصرّف في الاستعارة ، أي ذلك التّصرف هو أن يضمّ إلى تلك الاستعارة تجوّز آخر لطيف اقتضاه الحال.