فإنّه (١) لمّا ادّعى أنّ الممدوح قد فاق النّاس حتّى صار أصلا برأسه وجنسا بنفسه ، وكان هذا (٢) في الظّاهر (٣) كالممتنع ، احتجّ لهذه الدّعوى وبيّن إمكانها (٤) ، بأنّ شبّه هذه الحال بحال المسك الّذي هو من الدّماء ، ثمّ أنّه (٥) لا يعدّ من الدّماء ، لما فيه من الأوصاف الشّريفة الّتي لا يوجد في الدّم ، وهذا التّشبيه (٦) ضمنيّ (٧)
________________________________________________________
آخر ، فإنّ الدّاخل في الجنس لا بدّ أنّ يساويه فرد منه غالبا ، «المسك» طيب معروف.
والشّاهد في البيت : كونه مشتملا على التّشبيه ، والغرض منه بيان إمكان المشبّه ، حيث إنّ الشّاعر لمّا ادّعى أنّ الممدوح فاق النّاس على حدّ صار جنسا آخر بنفسه ، وأصلا مستقلا برأسه ، وكان هذا أمرا يمكن أن تدّعى استحالته ، احتجّ لمدّعاه بأنّ ألحق حالته بحالة مسلّمة الإمكان لوقوعها ، فشبّه حالة الممدوح بتلك الحالة.
ومن هذا التّقريب ظهر أنّ التّشبيه في البيت تشبيه مركّب بمركّب ، أي شبّهت الحالة المنتزعة من تفوّق الممدوح الأنام بصفاته الفاضلة ، وكونه منهم بحالة منتزعة من تفوّق المسك جنس الدّم ، وكونه منه في الأصل بجامع من الهيئتين ، وشامل لهما.
(١) أي أبو الطّيب «لمّا ادّعى أنّ الممدوح قد فاق النّاس» أي علا النّاس على حدّ صار أصلا برأسه.
(٢) أي صيرورته أصلا برأسه.
(٣) أي في بادئ الرّأي ، وقبل الالتفات إلى النّظائر ، وحاصل الكلام في المقام أنّه كان صيرورة الممدوح أصلا برأسه في بدء النّظر كالممتنع ، أتى بالحجّة لدعوى صيرورته أصلا برأسه ، وبيّن إمكانها بالتّشبيه المذكور.
(٤) أي إمكان تلك الدّعوى.
(٥) أي المسك لا يعدّ من الدّماء لما فيه من الأوصاف الشّريفة ، وليست في الدّم.
(٦) أي تشبيه الممدوح بالمسك ضمنيّ ، ومكنّى عنه ، لأنّه ليس فيه أداة التّشبيه لا لفظا ولا تقديرا.
(٧) أي مدلول عليه باللّازم ، لأنّه ذكر في الكلام لازم التّشبيه ، وهو وجه الشّبه ، أعني فوقان الأصل ، وأراد الملزوم وهو التّشبيه ، فعلى هذا قوله : «مكنّى عنه» عطف تفسير على قوله : «ضمّني» ، فالمعنى أنّ التّشبيه لم يذكر صراحة ، بل كناية بذكر لازمه.