العدول عن الرواية الضعيفة ، ونزح أربعين دلوا.
فإن قيل : إذا لم يعمل بالرواية ، فلم ينزح منها أربعون دلوا؟ ولم لا ينزح جميع مائها؟ لأنّه داخل في حكم ما لم يرد به نص معين.
قيل له : لا خلاف بين أهل النظر ، والتأمّل في أصول الفقه ، انّ الموت يزيد النجس نجاسة ، فإذا كان الكلب بموته في البئر ينزح منها أربعون دلوا ، فما يكون وقوعه فيها وهو حي يزيد على نجاسة موته ، وبعد فإنّه يلزمه ما ألزمناه في نزول الإنسان الكافر إلى البئر ، وتنجيسه لها ، ووجوب نزح جميع مائها ، لأنّه عنده لم يرد به نص ، فإذا مات بعد ذلك فيها ، وجب نزح سبعين دلوا ، أتراه انقلب جنسه وزال ذلك الحكم ، ولا خلاف انّ الموت ينجس الطاهر ، ويزيد النجس نجاسة ، وهذا قلة فقه. ثم أصول المذهب تدفعه ، لأنّ نجاسة البئر لا يرفعها إلا إخراج بعضه أو جميعه ، وهذا ما أخرج شيئا حتى يتغير حكمه.
وينزح منها لموت الطائر ، جميعه ، نعامة كان الطائر أو غيرها ، من كباره أو صغاره ، ما عدا العصفور ، وما في قدر حجمه ، وما شاكله تقريبا في الجسمية ، سبع دلاء.
وللعصفور وما أشبهه في المقدار ، دلو واحد ، وكذلك ينزح للخطاف والخفاش دلو واحد ، لأنّه طائر في قدر جسم العصفور.
وينزح للفأرة إذا تفسخت ، وحدّ تفسخها انتفاخها سبع دلاء ، فإن لم تنفسخ فثلاث دلاء.
وإذا وقع جماعة من الجنس الواحد الذي يجب نزح بعض ماء البئر بموته فيها ، مثل أن يموت فيها الف كلب ، فينزح منها ما ينزح لكلب واحد فحسب.
فأمّا إن مات فيها أجناس مختلفة ، مثال ذلك : كلب وخنزير وسنور وثعلب وأرنب ، فالواجب أن ينزح لكلّ جنس عدده ، لأنّ عموم الأخبار وظواهر النصوص تقتضيه ، فمن ادّعى تداخلها فعليه الدلالة ، ودليل الاحتياط يعضده أيضا ويشيده.