وأيضا فالظاهر من الآيات والأخبار يقتضي طهارة هذا الماء ، ورفع الحدث به ، لأنه بعد استعماله في الطهارة الكبرى ، باق على ما كان عليه من تناول اسم الماء له بالإطلاق ، ومنزل من السماء.
وموت ما لا نفس له سائلة : كالذباب والجراد والزنابير والعقارب وما أشبه ذلك لا ينجس الماء ، سواء كان الماء قليلا أو كثيرا ، جاريا أو راكدا ، من مياه الآبار أو غيرها.
ولا بأس بالوضوء والغسل بسؤر الجنب والحائض على كراهية لسؤر الحائض إذا كانت متهمة ، وهي التي لا تتوقى من النجاسات ، فأمّا إذا كانت مأمونة وهي التي تتوقى من النجاسات ، فلا كراهية في ذلك.
وجملة الأمر وعقد الباب أن نقول : الماء على ضربين : جار وواقف ، فالجاري طاهر مطهر ، إلا أن يتغير بعض أوصافه ، لونه أو طعمه أو رائحته بجسم نجس ، فإنّه ينجس ويطهر بزوال الأوصاف عنه. والطريق إلى تطهيرها تقويتها بالمياه الجارية ، ودفعها حتى يزول عنها التغيّر.
والواقف على ضربين : مياه الآبار وغير مياه الآبار.
فغير مياه الآبار على ضربين : قليل ، وكثير.
فالكثير ما بلغ كرا فصاعدا على ما مضى بيانه. فحكم هذا الماء حكم الجاري ، لا ينجسه شيء يقع فيه من النجاسات ، إلا ما تغيّر به أحد أوصافه ، فإن تغيّر أحد أوصافه بنجاسة تحصل فيه ، فلا يجوز استعماله إلا عند الضرورة للشرب لا غير.
والطريق إلى تطهيره أن يطرأ عليه من المياه الطاهرة المطلقة ما يرفع ذلك التغيّر عنه ، فحينئذ يجوز استعماله. وإن ارتفع التغيّر عنه من قبل نفسه ، أو بتراب يحصل فيه ، أو بالرياح التي تصفقها ، أو بجسم طاهر يحصل فيه ، أو بطروّ أقل من الكر من المياه المطهرة لم يحكم بطهارته ، لأنّه لا دليل على ذلك ، ونجاستها معلومة بيقين ، فلا يرجع عن اليقين إلا بيقين مثله.