فإن كان تغيّر هذه المياه لا بنجاسة بل من قبل نفسها ، أو بما يجاورها من الأجسام الطاهرة مثل الحمية والملح ، أو نبت فيها مثل الطحلب والقصب وغير ذلك ، أو لطول المقام ، لم يمنع ذلك من استعمالها بحال.
والقليل ما نقص عن الكر الذي قدّمنا مقداره ، وذلك ينجس بكل نجاسة تقع فيه ، قليلة كانت النجاسة أو كثيرة ، غيّرت أحد أوصافه أو لم تغيّر ، من غير استثناء لنجاسة يمكن التحرز منها أو لا يمكن ، لأنّ بعض أصحابنا ذكر في كتاب له : إلا ما لا يمكن التحرز منه ، مثل رءوس الإبر من الدم وغيره ، وهذا غير واضح ، لأنّه ماء قليل وقعت فيه نجاسة ، فيجب أن تنجسه ، ومن استثنى نجاسة دون نجاسة ، يحتاج إلى دليل ولن يجده.
والطريق إلى تطهير هذا الماء أن يزاد زيادة تبلغه الكر أو أكثر منه ، إذا كانت الزيادة ينطلق عليها اسم الماء على الصحيح من المذهب. وعند المحقّقين من نقّاد الأدلة والآثار ، وذوي التحصيل والاعتبار ، لأنّ بلوغ الماء عند أصحابنا هذا المبلغ ، مزيل لحكم النجاسة التي تكون فيه وهو مستهلك بكثرته لها ، فكأنّها بحكم الشرع غير موجودة ، إلا أن تؤثّر في صفات الماء ، فإذا كان الماء بكثرته وبلوغه إلى هذا الحد مستهلكا للنجاسة الحاصلة فيه ، فلا فرق بين وقوعها فيه بعد تكامل كونه كرا ، وبين حصولها في بعضه قبل التكامل ، لأنّ على الوجهين معا النجاسة في ماء كثير ، فيجب أن لا يكون لها تأثير فيه مع عدم تغيير الصّفات.
والظواهر على طهارة هذا الماء بعد البلوغ المحدد ، أكثر من أن تحصى أو تستقصى. فمن ذلك قول الرسول صلىاللهعليهوآله المجمع عليه عند المخالف والمؤلف : إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا (١) ، فالألف واللام في الماء عند أكثر الفقهاء وأهل اللسان للجنس المستغرق ، فالمخصص للخطاب العام
__________________
(١) مستدرك الوسائل : الباب ٩ من أحكام المياه ، ح ٦.