فأمّا الكلام في دم البق والبراغيث وما أشبههما ، فالدليل على ما ذهبنا إليه فيه ، الآية التي تقدّمت ، وهو قوله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ) إلى قوله ( أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) ودم البراغيث والبق ليس بمسفوح ، وليس هذا اعتمادا على تعلّق الحكم بصفة ، وتعويلا على دليل الخطاب ، بل الحكم متعلّق بشرط متى لم يقصر عليه لم يكن مؤثرا ، وخرج من أن يكون شرطا على ما ذكرناه فيما تقدّم ، فإن عورضنا بعموم قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ) كان الكلام على ذلك ما تقدّم ، وعلى ما اخترناه إجماع أصحابنا وفتاويهم وتصانيفهم.
فمنهم السيّد المرتضى رضى الله عنه يفتي به في مسائل خلافه ويناظر الخصم عليه ، وكذلك شيخنا أبو جعفر الطوسي يفتي به في مسائل خلافه (١) ويناظر الخصم عليه. فأمّا قوله في جمله وعقوده (٢) النجاسة على ضربين ، دم وغير دم ، وعدّ دم السمك ، وأدخله في جملة عموم قوله النجاسة ، فتسامح وتساهل في التصنيف على ما قدّمناه ، واعتذرنا لمن وجد ذلك في كلامه وتصنيفه ، بأنّ العموم مخصوص بالأدلة ، وقد يوجد مثل ذلك في كلام الله سبحانه ، وكلام أنبيائه وأئمته عليهمالسلام ، ولا يكون ذلك مناقضة في الأدلة ، وذلك لا يجوز بغير خلاف.
وجملة الأمر وعقد الباب أنّ الدّم على تسعة أقسام ، ثلاثة منها قليلها وكثيرها طاهر ، وهي دم السمك والبق والبراغيث ، وما ليس بمسفوح على ما مضى القول فيه.
وثلاثة منها قليلها وكثيرها نجس ، لا تجوز الصلاة في ثوب ، ولا بدن ، أصابه منها قليل ، ولا كثير إلا بعد إزالته بغير خلاف عندنا ، وهي دم الحيض والاستحاضة والنفاس.
ودمان نجسان إلا أنّهما عفت الشريعة عمن هما به ، ولا يمكنه التحرز منهما
__________________
(١) كتاب الخلاف : المسألة ٢١٩ من كتاب الصلاة.
(٢) الجمل والعقود : في فصل ذكر النجاسات.