ومثال آخر : إذا خاطبنا الحكيم بجملتين متماثلتين في العموم ، فإن كانت الجملة الأولى أعم ، والثانية أخص ، دلّ ذلك على أنّه أراد بالجملة الأولى ما عدا ما ذكر في الجملة الثانية ، وإن كانت الجملة الثانية أعم دلّ ذلك على أنّه أراد بالثانية ما عدا ما ذكره في الجملة الاولى ، ونظيره : اقتلوا المشركين ، ويقول بعده : لا تقتلوا اليهود والنصارى ، فانّ ذلك يفيد انّه أراد بلفظ المشركين ما عدا اليهود والنصارى ، وإلا كانت مناقضة أو بداء وذلك لا يجوز ، ونظير الثاني أن يقول أولا : لا تقتلوا اليهود والنصارى ، ثم يقول بعده : اقتلوا المشركين ، فانّ ذلك يدلّ على أنّه أراد بلفظ المشركين الثانية ، ما عدا ما ذكر في الجملة الاولى ، ولو لا ذلك لأدّى إلى ما قدّمناه وأبطلناه.
وليس لأحد أن يقول هلا حملتم الجملة الثانية على أنّها ناسخة للجملة الاولى؟
قلنا : من شأن النسخ أن يتأخّر عن حال الخطاب على ما علم في حدّ النسخ ، وانّما ذلك من أدلّة التخصيص التي يجب مقارنتها للخطاب ، فعلى هذا : ينبغي أن يحمل كلّ ما يرد من هذا الباب ، ويعرف الأصل فيه ، فإنّه يشرف المحكم له على حقيقة العمل بمقتضاه ، وليس يخفى أمثال هذه الفتيا إلا على غير محصل لشيء من أصول الفقه جملة وتفصيلا بلغت به سواه الكتب يمينا وشمالا ، لا يقف على الشيء وضدّه ويفتي به وهو لا يشعر ، نعوذ بالله من سوء التوفيق ، وله الحمد على إدراك التحقيق.
وإن مات فيها كلب أو شاة أو أرنب أو ثعلب أو سنّور أو غزال أو خنزير أو ابن آوى أو ابن عرس أو ما أشبه ذلك في مقدار الجسم على التقريب نزح منها أربعون دلوا.
فأمّا ما روي في بعض الروايات أنّ الكلب إذا وقع في ماء البئر وخرج حيا ينزح منها سبع دلاء وقد طهرت (١) فليس بشيء يعتمد ويعمل عليه والواجب
__________________
(١) الوسائل : الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، ح ١ ، إلا انّه ليس فيه جملة « وقد طهرت ».