وحاصل ذلك : أنّك في مرتبة لحاظك للعلّة ونظرك إليها لا ترى المعلول ، وفي مرتبة لحاظك للمعلول لا ترى العلّة ، مع أنّ وجود أحدهما في الخارج كان مقروناً بوجود الآخر ، وحينئذ فلندع العلم بالحرمة جانباً ونقول : إذا [ قال ] المولى إذا حرم عليك شرب الخمر وجب عليك شربها ، كان الحكم الأوّل موضوعاً للثاني ، فيكون الثاني متأخّراً رتبة عن الأوّل على حذو تأخّر المعلول عن العلّة (١) ، فلو تحقّق حرمة شرب الخمر في الخارج تحقّق فيه وجوب شربها ، فهل ترى من نفسك أنّ اجتماعهما جائز لمجرّد أنّك في حال لحاظك لحرمة الشرب لا ترى وجوبه ، وفي لحاظك وجوبه لا ترى حرمته ، فيكونان مختلفين في الرتبة مع كونهما موجودين في الخارج معاً على وجه لا تقدّم خارجاً لأحدهما على الآخر ، كلاّ ثمّ كلاّ ، وما ذلك إلاّمن جهة أنّ هذا التقدّم الرتبي المقصور على مقام اللحاظ لا تندفع به غائلة التدافع الخارجي بين الحكمين ، فلاحظ وتأمّل.
ولو صحّ ما ذكر من أنّ التقدّم الرتبي مصحّح لاجتماع النقيضين ، لبطل ما قالوه من استحالة كون موضوع الحكم معدماً لنفسه ، مثل أن يقول إذا حرم عليك شرب الخمر لم تحرم عليك ، إذ مع كون اختلاف الرتبة مصحّحاً لاجتماع النقيضين لا يكون مانع من صحّة هذا القول ، لأنّ رتبة حرمة شرب الخمر فيه تكون متقدّمة على عدم حرمتها ، ولا ريب في بطلان ذلك القول ، أعني قوله : إذا حرم عليك شرب الخمر لم يكن شربه حراماً عليك.
وبالجملة : أنّ الشيء لا يعقل أن يكون موضوعاً لضدّه ولا لنقيضه ، لاستحالة كون وجود الشيء علّة لوجود ضدّه أو لوجود نقيضه. وكما يبطل هذا فليبطل قوله : إذا علمت بحرمة شرب الخمر وجب عليك شربه ، لأنّه لو كان الأمر
__________________
(١) [ في الأصل : تأخّر العلّة عن المعلول ، وهو من سهو قلمه الشريف ].