العقلي تبليغاً ، ويكون عدم تبليغ الحجج ذلك الحكم اعتماداً على ذلك الحكم العقلي واكتفاءً به لوضوحه. لكن يمكن أن يقال : إنّ المستفاد من الأخبار التي هي بمضمون « اسكتوا عمّا سكت الله تعالى عنه » (١) هو عدم ترتّب الأثر على ذلك الحكم العقلي ، ولو شكّ في ذلك فالبراءة حاكمة بنفيه.
وينبغي أن يعلم أنّ مسألة حكم العقل بوجوب المقدّمة ، وحرمة الضدّ المأمور بضدّه ، وتصحيح العبادة المأمور بضدّها اعتماداً على الملاك ، جميع هذه المسائل ونحوها خارجة عمّا هو محلّ النزاع مع الأخباريين في حجّية العقل ، فإنّ الأوّلين لا يخرجان عن الاعتماد على الدليل الدالّ على وجوب ذي المقدّمة والدالّ على وجوب أحد الضدّين ، ولأجل الملازمة الذاتية بين الوجوبين أو بين وجوب الشيء وحرمة ضدّه نحكم بذلك ، وكذلك الاعتماد على الملاك في المسألة المفروضة ، لأنّ إثباته إنّما هو بالاطلاق لا بالمقدّمات العقلية كما حقّق في محلّه ، فراجع (٢).
ثمّ لا يخفى أنّ الشيخ قدسسره قال في أوّل رسالة القطع في مقام بيان القطع الموضوعي ، وأنّه ربما كان القطع فيه مطلقاً أو كان قطعاً خاصّاً من طريق خاصّ قال ما هذا لفظه : وحكمه أنّه يتّبع في اعتباره مطلقاً أو على وجه خاصّ دليل ذلك الحكم الثابت الذي أُخذ العلم في موضوعه ، فقد يدلّ على ثبوت الحكم لشيء بشرط العلم به ، بمعنى انكشافه للمكلّف من غير خصوصية للانكشاف كما في حكم العقل بحسن إتيان ما قطع العبد بكونه مطلوباً لمولاه ، وقبح ما يقطع بكونه
__________________
(١) بحار الأنوار ٢ : ٢٦٠ / ب ٣١ / ١٤ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ٧٥ / باب نوادرالحدود ح ٥١٤٩.
(٢) راجع المجلّد الثالث من هذا الكتاب ، الصفحة : ١٥١ وما بعدها.