المعلومة متقدّماً على الثاني وهو العلم بها ، فإنّك عند تصوّرك لهما لا تتصوّر كلاً منهما في عرض الآخر ، بل تتصوّرهما متدرّجين ، فترى ذات المعلوم وهو الحرمة الواقعية ، وترى نفس العلم متعلّقاً وترى بينهما اثنينية ، وترى الثاني متعلّقاً بالأوّل منهما ، كما هو الشأن في كلّ معروض وعارضه ، من دون أن يكون بينهما في الخارج تقدّم وتأخّر رتبي. وهذا بخلاف العلّة الحقيقية ومعلولها ، فإنّهما وإن اجتمعا في الزمان إلاّ أنّ الأوّل منهما وهو العلّة متقدّم في الرتبة على الثاني الذي هو المعلول تقدّماً واقعياً ، لا بحسب مجرّد التصوّر واللحاظ ، بل تدرّج في الوجود الخارجي وإن كان الزمان واحداً.
وحينئذ نقول : لو قال : إذا علمت بحرمة شرب الخمر وجب عليك شربها ، لم يكن الوجوب متأخّراً في الرتبة عن الحرمة الواقعية ، فإنّه وإن سلّمنا تأخّره عن العلم بالحرمة الواقعية ، إلاّ أنّ العلم بالحرمة الواقعية ليس بمتأخّر عن نفس تلك الحرمة ، وإنّما أقصى ما في البين أنّ تصوّر العلم بالحرمة المذكورة يكون متأخّراً عن تصوّر نفس الحرمة المذكورة ، ومن الواضح أنّ التأخّر التصوّري ليس هو عين التأخّر الواقعي ، كي يقال إنّ العلم بالحرمة يكون متأخّراً رتبة عن الحرمة المذكورة واقعاً ، كما أنّه متأخّر عنها زماناً.
على أنّ في النفس شيئاً من هذا التقدّم الرتبي الواقعي حتّى في مقام العلّة والمعلول ، فإنّه ليس بتقدّم واقعي أو خارجي ، مضافاً إلى أنّه ليس بتقدّم زماني ، بل ليس هو إلاّعبارة عن أنّك ترى الاثنينية بينهما ، وترى في مقام التصوّر واللحاظ أنّ الأوّل منهما سابق على الثاني ، فلا يكون ذلك إلاّعبارة عن أنّ لحاظ العلّة قبل لحاظ المعلول. وبعبارة أُخرى : يكون الوجود الذهني للعلّة سابقاً على الوجود الذهني للمعلول مع كون وجود أحدهما في الخارج مقارناً لوجود الآخر.