الشهادة وإن لم يشهد الآخر ، غايته دلّ الدليل على اعتبار البيّنة وأنّه لو شهد أحدهما دون الآخر لم تقبل شهادته ، بمعنى عدم حكم الحاكم على طبقها ، فإنّ ذلك بالدليل الخاصّ والآية الشريفة خالصة من هذا الدليل وناطقة بوجوب العمل على إنذار المنذر ، ولم يكن فيها تقييد بأنّ وجوب العمل به مشروط بانضمام غيره إليه بعد فرض الانحلال المزبور.
وثالثاً : أنّ مناسبة الحكم والموضوع قاضية بعدم احتمال التقييد المزبور ، لأنّ الميزان في وجوب الإنذار هو إبداء ما عند المنذر المتفقّه من العلم بالأحكام ، ومن الواضح أنّ هذا الوجوب لا يناط بإبداء الآخرين ما عندهم من ذلك العلم ، ولأجل ذلك ، الاحتمال مقطوع العدم لو قلنا بأنّ الآية الشريفة مسوقة لبيان الفتوى وحجّيتها ، فتأمّل.
قوله : والإنصاف أنّ التتبّع في هذه الأخبار يوجب القطع باعتبار الخبر الموثوق به (١).
محصّل ما أفاده قدسسره في الدورة الأخيرة في وجه ذلك الانصاف : هو أنّ تلك الروايات الكثيرة متواترة إجمالاً ، فإنّ التواتر إمّا لفظي أو معنوي أو إجمالي. أمّا اللفظي فواضح ، وأمّا المعنوي فهو إمّا عبارة عن النقل بالمعنى أو عبارة عن اشتراك الأخبار الكثيرة في الدلالة الالتزامية على معنى واحد ، كما مثّلوا لذلك بما تواتر من شجاعة أمير المؤمنين ( صلوات الله وسلامه عليه ). والظاهر أنّ الأوّل راجع إلى التواتر اللفظي ، وانحصار التواتر المعنوي بالثاني. وأمّا التواتر الاجمالي فليس هو إلاّعبارة عن اشتراك الأخبار الكثيرة في قدر جامع يقطع بصدوره عنهم عليهمالسلام. وهذا القسم أرجعه قدسسره كما في تحريرات السيّد إلى التواتر المعنوي
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ١٩١.