مراعاة للتكليف في الجملة ، أمّا حكمه بالتخيير فليس هو من قبيل مراعاة التكليف ، بل من باب عدم المندوحة ، وأنّه لا حيلة فيه للمكلّف ، فيحكم العقل بالتخيير من أجل ذلك.
ولا يخفى أنّ نفس هذه الأُصول يمكن أن تكون شرعية ، وهي الاحتياط الشرعي ولو في موارد الشبهات البدوية كما يدّعيه الأخباريون ، والبراءة الشرعية كما عليه الأُصوليون ، والتخيير الشرعي بأن يحكم الشارع في موارد دوران الأمر بين المحذورين بالتخيير فيما لو أمكنت المخالفة القطعية ، كما لو كان أحد الأمرين من الفعل والترك عبادياً ، بل حتّى لو كان كلّ منهما توصّلياً ، فإنّ العقل وإن حكم بالتخيير إلاّ أنّه لا يكون مانعاً من حكم الشارع ، كما حكم في الشبهات البدوية بقبح العقاب من دون بيان ، ولم يكن حكمه بذلك منافياً لحكم الشارع بالبراءة ، وحينئذ يكون الحصر في هذه الأُصول الشرعية عقلياً ، على حذو ما قلناه في هذه الأُصول لو كانت عقلية ، بأن يقال : إنّ الأصل الشرعي إمّا أن يكون الملحوظ فيه هو احتمال التكليف ... إلى آخره ، غايته أنّ الثالث لم يقم عليه دليل كالأوّل ، لكن عدم قيام الدليل عليه لا يخرجه عن حيّز الامكان الذي هو الملاك والمنظور إليه في هذا الحصر العقلي.
قوله : إمّا علقة التلازم وإمّا علقة العلّية والمعلولية ، سواء كان الوسط علّة لثبوت الأكبر الذي هو البرهان اللمي ، أو كان معلولاً له الذي هو البرهان الإنّي ... الخ (١).
لم يذكر الوسط الذي يكون هو والأكبر معلولين لعلّة ثالثة ، ولعلّه هو المراد بعلقة التلازم اصطلاحاً ، وإلاّ فإنّ التلازم بين الشيئين يكون لأحد هذه الأُمور
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٧.