لا تكون مصيبة للواقع ، فلا مانع للحكيم من أن يأمره بسلوك أي طريق من تلك الطرق ولو كان ظنّياً ، لعلم ذلك الحكيم بأنّ ما تخطئه الطرق الظنّية ليس بأكثر ممّا تخطئه الطرق القطعية ، وليس ذلك الشخص ممّن انفتح له باب العلم الحقيقي بالواقع ، وإنّما هو ممّن انفتح له باب القطع بالواقع ، وشتّان بين الانفتاحين ، بل لا يلزم في مثل ذلك أن تكون تلك الطرق الظنّية من الطرق العقلائية التي لا يكون الأمر بالعمل عليها إلاّإمضاء ، بل يجوز أن تكون تلك الطرق ممّا لا يعرفه العقلاء وقد جعلها الشارع حجّة ، لعلمه بأنّ مورد إصابتها أكثر من غيرها ، أو أنّ مورد الخطأ فيها مساوٍ له في غيرها.
قوله : وثالثاً : سلّمنا أنّ مجرّد الأقربية تقتضي الردع ... الخ (١).
الظاهر أنّ مراده بالأقربية إلى الخطأ هو زيادة خطئها على خطأ الطرق العلمية ، كما صرّح به في التحريرات المطبوعة في صيدا بقوله : ثمّ إنّه إذا سلّمنا أقربية الطرق العلمية عن غيرها وقلّة خطئها بالاضافة إليها ـ إلى قوله ـ نسبة العشرة إلى التسعة إلى آخره (٢).
لكن لا يخفى أنّا إذا التزمنا بالمصلحة التسهيلية وأنّها يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع ، لا يفرّق حينئذ بين كون موارد المخالفة قليلة وكونها كثيرة. نعم لابدّ أن تكون مصلحة التسهيل قابلة لأن يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع ، وهذا شيء لا يعرفه إلاّالشارع ، فلو أمرنا الشارع بسلوك الأمارات مع فرض علمنا بأنّ الخطأ فيها أكثر من الطرق العلمية ، لكان يلزمنا الإذعان بذلك ، لإمكان كون مصلحة التسهيل مصلحة مهمّة على وجه يتدارك بها ما يفوتنا من
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٩٢.
(٢) أجود التقريرات ٣ : ١١٣ ـ ١١٤.