إعطاء الدليلية والاحراز في موارد كثيرة ، مثل ظهور الألفاظ في إثبات مرادات المتكلّمين ، وغير ذلك من الأمارات العقلائية ، وحينئذ يكون من الممكن للشارع اعتبار الدليلية والكشف والاحراز لما يكون كذلك عند العقلاء بطريق الامضاء كما في غالب الأمارات ، أو كان بطريق الجعل والتأسيس ، فلاحظ وتأمّل.
وبالجملة : أنّ العقلاء يرون الواقع من قيام هذه الأمارات ، ولا شكّ أنّ تلك الرؤية ليست رؤية حقيقية ، بل هي رؤية جعلية ، بمعنى أنّ بناءهم كان على أنّهم يرون الواقع من هذه الأمارات ولا يشكّكون فيه ، فهذا البناء عبارة عن جعلهم الاراءة المذكورة. ومن ذلك يظهر أنّ الكشف والاحراز والاراءة قابلة للجعل العقلائي ، والشارع أمضى هذا البناء العقلائي وأسّس في بعضه.
قوله : فإنّ العلم في باب الشهادة أُخذ من حيث الطريقية ، ولذا جاز الشهادة في موارد اليد كما دلّت عليه رواية حفص ، وفي باب الركعتين الأوّلتين لم يؤخذ فيهما على نحو الصفتية ، بل على نحو الطريقية كما يدلّ على ذلك بعض الأخبار الواردة في ذلك الباب ، مثل قوله عليهالسلام : « حتّى تثبتهما » ... الخ (١).
قد يقال : إنّ ما دلّ على أخذ العلم بالمشهود به في أدلّة الشهادة لو كان على نحو الطريقية ، كان مقتضاه على ما أفاده قدسسره من جعل الاحراز والحجّية ، وأنّ دليل حجّيتها حاكم على ما دلّ على اعتبار العلم في الموضوع من الطريقية هو قيام الجميع مقام العلم ، فتجوز الشهادة حينئذ استناداً إلى الأمارة أيّ أمارة كانت ، لكن الظاهر أنّ الفقهاء لم يلتزموا بذلك ، بل الظاهر أنّ ذلك عندهم مختصّ باليد.
وحينئذ نقول : يمكن أن يكون الدليل الدالّ على أخذ العلم بالمشهود به
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٦ ـ ٢٧.