قوله : وأمّا في دعواه الثانية من أنّ العلم بحرمة ما يكون واجباً مغيّر لجهة قبح التجرّي ، ففيها أنّه لو سلّمنا اختلاف قبح التجرّي بالوجوه والاعتبار ، ولكن الجهات المغيّرة للحسن والقبح لابدّ وأن تكون ملتفتاً إليها ، لما تقدّم من أنّ العلم في باب الحسن والقبح العقلي له جهة موضوعية ... الخ (١).
قال قدسسره فيما حرّرته عنه : ولا ينتقض ذلك بما تقدّم في الجواب عن الاستدلال على قبح التجرّي وكونه موجباً لاستحقاق العقاب بما مرّ من المثال المشهور ، بأن يقال : قد اعترفتم في جوابكم عن ذلك الاستدلال بأنّ الجهة الواقعية الخارجة عن الاختيار مؤثّرة في عدم الاتّصاف بالقبح ، وعدم استحقاق العقاب ، وبيان عدم الانتقاض : أنّ ذلك الذي ذكرناه فيما تقدّم إنّما هو كون الجهة الواقعية الخارجة عن الاختيار مؤثّرة في رفع قبح الفعل وعدم استحقاق العقاب عليه ، ولا ربط لذلك بما ذكرناه هنا من أنّ الجهة الواقعية لا يعقل أن تؤثّر في الحسن ، كي تكون بتأثيرها في ذلك الحسن كاسرة لجهة التجرّي المقتضية للقبح.
والحاصل : أنّ كون الجهة غير الاختيارية رافعة للقبح غير كونها موجبة لحسنه كي تكون بذلك كاسرة لجهة قبحه ، والذي ذكرنا في الجواب عن ذلك المثال هو الأوّل ، والذي ذكرناه هنا هو الثاني ، ولا تدافع بين الأمرين كما هو واضح ، انتهى.
وبنحو ذلك صرّح في التقريرات المطبوعة في صيدا (٢)
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٥٥.
(٢) أجود التقريرات ٣ : ٦٣ ـ ٦٥.