ولكن شيخنا قدسسره مع هذا كلّه أجاب عن الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية باختلاف الرتبة بعين ما أجاب به صاحب الكفاية قدسسره فراجع ذلك البحث وما علّقناه عليه (١) وتأمّل.
قوله : الجهة الثالثة : جهة البناء والجري العملي على وفق العلم ، حيث إنّ العلم بوجود الأسد مثلاً في الطريق يقتضي الفرار عنه ، وبوجود الماء يوجب التوجّه إليه إذا كان العالم عطشاناً ، ولعلّه لذا سمّي العلم اعتقاداً ، لما فيه من عقد القلب على وفق المعتقد والبناء العملي عليه ... الخ (٢).
لا يخفى أنّ هذا التحرير لا يخلو عن إجمال ، إذ ربما يتوهّم منه أنّ المرتبة الثالثة هي مرتبة الجري العملي على وفق القطع ، وحينئذ يتوجّه عليه أنّ الجري العملي من الأحكام العقلية المترتّبة على القطع ، وهو غير قابل بنفسه للتصرّف ليكون الأصل الاحرازي قائماً مقام القطع في ذلك ، على وجه يكون المجعول هو مجرّد الجري العملي ، ومن الواضح أنّ ذلك ليس هو مراد شيخنا قدسسره.
بل مراده أنّ الجهة الثالثة هي الاعتقاد ، وهي المعبّر عنها بمرتبة عقد القلب على الواقع المعلوم ، وأثر هذه المرتبة هو الجري العملي ، والأُصول الاحرازية تقوم مقام العلم في هذه الجهة ، أعني عقد القلب والبناء على أحد طرفي الشكّ وأثر هذا البناء هو الجري العملي على طبق ذلك الطرف ، فإنّه قدسسره قال فيما حرّرته عنه في بيان هذه المرتبة ما هذا لفظه : وهي مرتبة عقد القلب ، ويعبّر عنها بالاعتقاد ، وكأنّ من فسّر العلم بالاعتقاد قد نظر إلى هذه المرتبة ، وهذه المرتبة
__________________
(١) راجع فوائد الأُصول ٣ : ١١٣ ، وراجع أيضاً الصفحة : ٣٠٩ وما بعدها من هذا المجلّد.
(٢) فوائد الأُصول ٣ : ١٧.