ثمّ إنّه مع قطع النظر عمّا ذكرناه من عدم إمكان التأكّد لما ذكرناه من اختلاف المتعلّق ، لِمَ لا يلتزم شيخنا قدسسره بالتأكّد ويكون ذلك قهرياً ، حيث إنّ نفس الفعل فيه مفسدة كافية في المنع عنه ، وقد فرضنا أنّ هذا العنوان الثانوي أيضاً فيه مفسدة كافية في المنع أيضاً ، فيلزم الحاكم إنشاء حكمين ، وجعل نهيين أحدهما متعلّق بنفس شرب الخمر واقعاً ، والآخر متعلّق بما علم أنّه خمر ، غايته أنّ فعلية أحد هذين الحكمين ملازم لفعلية الآخر ، فدائماً هما متأكّدان في نظر العالم ، ولا وجه لجعل حكم واحد مؤكّد ، إذ للأوّل أثر وهو فيما لو فرض عدم العلم ، وقصرت الأُصول النافية عن نفيه ، كما لو وقع طرفاً للعلم الاجمالي ونحو ذلك ، كما أنّ للثاني أثراً كما لو شرب ما يعلم أنّه خمر وكان علمه مخالفاً للواقع ، فإنّه لو كان ذلك في الصيام يكون قد أفطر على الحرام ، فتأمّل.
والأولى أن يقال : إنّ التأكّد منسدّ هنا ، لاختلاف المتعلّق وهما الفعل نفسه وجهة الفاعلية. ومنه يظهر لك المنع من كون المقام من قبيل اجتماع المثلين ، إذ مع اختلاف المتعلّق لم يجتمع المثلان ، فليس المقام من قبيل العالم والهاشمي اللذين يتّحد أحدهما بالآخر عند الاجتماع ، بل هما عند الاجتماع متباينان ، فلا تأكّد في البين ولا اجتماع المثلين. لكن لا محصّل لتحريم الجهة الفاعلية إلاّ تحريم العصيان ، ومن الواضح عدم قابلية العصيان للتحريم المولوي.
قوله : الجهة الثالثة : دعوى استحقاق المتجرّي للعقاب لا من باب المخالفة لخطاب شرعي كما في الجهتين الأُوليين ، بل من باب استقلال العقل باستحقاق المتجرّي للعقاب ، وأنّه يكون في حكم العاصي ... الخ (١).
الذي نتعقّله هو العقاب على مخالفة التكليف الشرعي عن علم وعمد ، وإن
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٤٦.