كما يزعمون من أنّ الحرمة الواقعية علّة للعلم بها والعلم بها علّة لوجوب شربها ، وحينئذ تكون الحرمة الواقعية لشرب الخمر علّة لضدّها الذي هو وجوب شربها. وهكذا الحال في قوله : إذا علمت بالخمرية وجب عليك شربها ، لأنّ المفروض أنّ الخمرية الواقعية علّة لحرمة شربها ، لكونها حسب الفرض موضوعاً لحرمة الشرب واقعاً ، كما أنّها ـ أعني الخمرية الواقعية ـ علّة للعلم بها ، وبهذا القول صار العلم بها علّة لوجوب شربها ، فصار الخمر الواقعي علّة في كلّ من حرمة شربه ووجوب شربه. بل وهكذا الحال في قوله : إذا جهلت بحرمة شرب الخمر وجب عليك شربها ، لأنّ الواقع الذي هو الحرمة الواقعية كما يكون علّة للعلم به فكذلك يكون علّة للجهل به ، لأنّ المفروض تأخّرهما رتبة عن الواقع ، فلازم هذا القول هو أن تكون الحرمة الواقعية علّة لوجوب شربها الذي هو ضدّها. وهكذا الحال في قوله : إذا جهلت بخمرية الشيء جاز لك أو وجب شربها مع فرض كون الحرمة الواقعية لاحقة لنفس الخمر بقول مطلق ، سواء كانت الخمرية معلومة أو كانت مجهولة ، وحينئذ تكون الخمرية الواقعية علّة لحرمة شربها ، كما أنّها علّة للجهل بها ، والجهل بها علّة لوجوب شربها ، وبالأخرة تكون الخمرية الواقعية علّة لكلّ من حرمة شربها ووجوب شربها.
وخلاصة المبحث : أنّ هذا التأخّر الرتبي لا يصحّح اجتماع الضدّين والنقيضين ، لأنّه مقصور على الوجود الذهني ، والأحكام لاحقة لما هو الموجود الخارجي ، والمفروض أنّه لا تعدّد فيه ولا تقدّم فيه ولا تأخّر.
ومن ذلك يظهر لك أنّ عدم المعلول في صقع العلّة إنّما هو في وجودها الذهني ، بمعنى أنّ عدم المعلول ذهناً إنّما هو في الوجود الذهني للعلّة ، فإنّك في مرتبة لحاظك العلّة لا تلاحظ وجود المعلول ، فالمنعدم في مرتبة لحاظك العلّة