قوله : وردّه في الكفاية بما حاصله : أنّ ذلك يستلزم الدور المحال ـ إلى قوله ـ هذا ولكن لا يخفى عليك أنّه لا ينحصر الإشكال على ما أفاده في الحاشية بالدور ، بل مضافاً إلى الدور يرد عليه أوّلاً ... الخ (١).
ظاهر الكفاية في بيان ما أفاده في الحاشية هو أنّ التنزيل الأوّل الذي يتكفّله دليل الاعتبار هو تنزيل المؤدّى منزلة الواقع ، وأنّ هذا التنزيل يلزمه تنزيل آخر وهو تنزيل العلم بذلك الواقع التعبّدي منزلة العلم بالواقع الحقيقي ، فيلزمه الدور كما قرّره في الكفاية (٢).
ويتوجّه عليه المنع من هذه الملازمة ، إذ لا مدرك لها إلاّلغوية التنزيل الأوّل بالنسبة إلى ما يكون الأثر مترتّباً على الواقع المعلوم ، ومن الواضح أنّ هذه اللغوية إنّما تلزم لو كان مفاد دليل التنزيل الأوّل مختصّاً بما يكون الواقع جزء الموضوع ، أمّا لو كان الدليل المذكور شاملاً لما يكون الواقع فيه تمام الموضوع أعني موارد القطع الطريقي الصرف ، فلا يكون الدليل المذكور لغواً إلاّبعد جريان أصالة العموم في التنزيل ، ليكون شاملاً لذلك ولما يكون الواقع فيه جزء الموضوع ، فنلتزم حينئذ بالتنزيل الثاني إخراجاً للتنزيل الأوّل عن اللغوية بالنسبة إلى ما يكون الواقع جزء الموضوع ، وقد حقّق في محلّه أنّ شمول العام لما يتوقّف شموله له على إعمال عناية ، لا يحكم بكون العام شاملاً لذلك كي نحتاج في إتمامه إلى الالتزام بالعناية المذكورة.
أمّا لو قلنا بأنّ ذلك التنزيل الآخر الذي يدعى كونه لازماً للتنزيل الأوّل إنّما هو تنزيل العلم بمؤدّى الأمارة منزلة العلم بالواقع ، وأنّ مدرك هذه الملازمة ليس
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٨.
(٢) كفاية الأُصول : ٢٦٦.