قوله : وإن أبيت عن ذلك كلّه وقلت : إنّ في التعبّد بالأمارة يلزم تفويت المصلحة ، إمّا لكونها أكثر خطأ من العلم ، وإمّا لكونها أقرب إلى الخطأ ، وإمّا لكون المصلحة التسهيلية لا يصحّ رعايتها ... الخ (١).
قد ظهر لك ممّا قدّمناه أنّ هذه الأقسام غير متقابلة ، وكان ينبغي أن يكون تحرير هذا الاعتراض بهذه الصورة ، وهي : أنّك لو أبيت عن ذلك وقلت : إنّ الأمارة أكثر خطأ من العلم ، وأنّ المصلحة التسهيلية لا يصحّ رعايتها في قبال ما يفوت بالعمل بالأمارة من المصالح الواقعية ، أو قلت : إنّ الأمارة في نظر المكلّف أقرب إلى الخطأ من العلم وإن لم تكن كذلك في الواقع وفي نظر الشارع.
والذي حرّرته عنه قدسسره في بيان هذا الاعتراض هو بهذه الصورة ، وهي : أنّه لو تنزّلنا عن هذا الذي ذكرناه من كفاية المصلحة النوعية التسهيلية في تفويت المصلحة الشخصية الواقعية ، وقلنا بعدم كفايتها في تفويت المصلحة الواقعية ، فلا محيص لنا حينئذ من الالتزام بالمصلحة السلوكية الخ. لكن الأمر سهل بعد وضوح المراد ، هذا.
وربما أُورد على ما ذكرناه من انسداد باب الطرق العلمية بأنّه وإن كان في حقّنا مسلّماً ، إلاّ أنّه لا يدفع الإشكال عن حجّية الأمارات الظنّية مثل خبر الواحد بالنسبة إلى من تقدّمنا ممّن هو في عصر الحضور ، فإنّ ما دلّ على حجّية خبر الواحد لم يكن مقيّداً بزمان الغيبة ، بل بعضه ظاهر الشمول لزمان الحضور لكونه وارداً في مورد الحضور مثل آية النبأ (٢) وآية النفر (٣) ، إلاّأن يلتزم بتقييدها بعدم
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٩٤.
(٢) الحجرات ٤٩ : ٦.
(٣) التوبة ٩ : ١٢٢.