تقدير ترك العمل بالظنّ لا يبقى موقع للبراءة والاستصحاب ، لاستقلال العقل بقبح الاقدام على ما لا يؤمن منه من الضرر الخ (١).
ويمكن التأمّل فيه أيضاً ، أمّا أوّلاً : فلما عرفت فيما تقدّم (٢) من عدم حكومة هذا الحكم العقلي على الاستصحاب ، بل إنّ الاستصحاب حاكم عليه.
وأمّا ثانياً : فلأنّ حكومة حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل على الأُصول الشرعية النافية إنّما هي في خصوص الضرر الدنيوي ، أمّا الضرر بمعنى المفسدة فإنّ الأمر فيها بالعكس ، بناءً على ما أفاده الشيخ قدسسره من لزوم التدارك.
ومن ذلك يتّضح لك وجه الفرق بين ما أفاده الشيخ قدسسره هنا وما أفاده في مبحث البراءة ، فإنّ ما أفاده في مبحث البراءة (٣) من أنّ الظنّ بالضرر غير العقاب قد جعل طريقاً شرعياً إلى الضرر الواقعي ، ولا تجري فيه البراءة كسائر موارد الطرق الشرعية ، مبني على أنّ مراده من الضرر غير العقاب الضرر الدنيوي مثل تلف النفس ، وقد عرفت أنّ حكم العقل بلزوم دفعه والفرار عنه مستتبع للحكم الشرعي بذلك ، غايته أنّه اختار أنّ ذلك الحكم الشرعي من باب الطريقية والتحرّز عن الضرر الواقعي ، فيكون الحكم بلزوم دفع الضرر عنده من قبيل ذي الملاكين.
وأمّا ما أفاده في هذا المقام من جريان البراءة مع اعترافه بأنّ الظنّ بالحكم
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٢٣.
(٢) في الصفحة : ٥١٦ ـ ٥١٧.
(٣) [ نقله في فوائد الأُصول ٣ : ٢٢٤ عن الشيخ قدسسره في مبحث البراءة ، ويظهر من تعليقة المحقّق العراقي قدسسره إنكار النسبة. وعلى أيّ حال راجع ما أفاده الشيخ قدسسره في الشبهة التحريمية الموضوعية في فرائد الأُصول ٢ : ١٢٢ ـ ١٢٦ ، وكذا ما أفاده الشيخ قدسسره في الاستدلال على البراءة بحكم العقل في فرائد الأُصول ٢ : ٥٧ ].