يلازم الظنّ بالضرر ، فهو كما عرفت مبني على أنّ مراده من الضرر المظنون هو المفسدة التي فرض أنّ الشارع يتداركها بواسطة حكمه بالترخيص فيها.
ومن ذلك كلّه يظهر لك التأمّل فيما أُفيد في هذا التحرير بقوله : ولو سلّم أنّ الظنّ بالحكم يلازم الظنّ بالضرر الدنيوي والأُخروي ـ إلى قوله ـ ومن حيث الظنّ بالضرر غير العقاب لا تجري البراءة العقلية الخ (١) فإنّك قد عرفت أنّ حكم العقل بلزوم دفع الضرر المظنون أو المحتمل ، إنّما يستتبع الحكم الشرعي بذلك إذا كان ذلك الضرر من قبيل الضرر الدنيوي مثل تلف النفس ، وأمّا إذا كان من قبيل المصالح والمفاسد التي هي ملاكات الأحكام ، فقد عرفت أنّ الشيخ يقول بمنع الصغرى ، للزوم تداركها على الشارع ، مضافاً إلى ما تقدّم من أنّ هذه الأضرار لا تكون مؤثّرة إلاّفي الحكم الأوّلي التابع لتلك الملاكات ، فتأمّل. هذا ما كنت حرّرته سابقاً.
ولكن لا يخفى أنّ إجراء قاعدة دفع الضرر المظنون هنا إن كان المراد بالضرر فيها هو الضرر الدنيوي التي هي العقوبة الدنيوية ، فقد عرفت (٢) أنّ حالها حال العقوبة الأُخروية في القطع بعدمها ، لكن لو سلّمنا كونها من قبيل الأسباب فهي حاكمة على البراءة الشرعية. وإن كان المراد بالضرر فيها هو المفسدة ، فتلك لا يجب دفعها فلا تمنع من البراءة. نعم إنّ البراءة حينئذ تكون إيقاعاً في المفسدة ويكون جوابه هو التدارك كما أفاده الشيخ ، لكن يرد على الشيخ أنّه لا وجه لتسليم وجوب الدفع وجعل التدارك رافعاً لوجوبه.
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٢٤.
(٢) في الصفحة : ٥٢٦.