حتّى في مقام الشكّ ، كان عليه أن يجعل الاحتياط ، فلمّا لم يجعله كشف ذلك عن أنّها غير لازمة التحصيل في مقام الشكّ. وإذا كانت غير لازمة التحصيل في مقام الشكّ ، لم يكن احتمالها احتمالاً للضرر الذي يحكم العقل بلزوم دفعه.
لأنّا نقول : هذا إنّما يتمّ لو حصل لنا القطع بعدم جعل الشارع الاحتياط في مقام الشكّ ، وقد عرفت أنّه ممنوع ، بل يجوز أن يكون قد جعله ولم يصل إلينا.
قال : وأمّا ثانياً : فلأنّ العموم في كلّ مورد إنّما يشمل الأفراد التي لا يتوقّف شمول العام لها إلى مؤونة زائدة من إثبات أمر آخر ، إلاّإذا بقي العام بلا مورد لولا تلك المؤونة الخ (١).
وفيه تأمّل أيضاً ، فإنّ المقام من قبيل ما لو أُخرج المورد المتوقّف على العناية يبقى العام بلا مورد ، لما عرفت من أنّ حكم العقل إنّما هو بلزوم دفع الضرر المحتمل وإن لم يكن مظنوناً ، فلو أخرجنا جميع موارد احتمال المفسدة عن عموم دليل البراءة يبقى عمومها بلا مورد أصلاً ، هذا.
مضافاً إلى أنّ محلّ الكلام في الأُصول إنّما هو الحكم الشرعي الملازم لدخول المورد في العام ، مثل طهارة آنية الخمر وطهارة ثياب العامل لطهارة نفس الخمر بعموم إنّ الخمر إذا انقلب خلاًّ يطهر ، ومن الواضح أنّ ما نحن فيه ليس كذلك ، بل هو أمر تكويني تابع للحكم الشرعي أينما وجد ، فعموم أقيموا الصلاة لو طبّقناه على الصبي المميّز يلزمه ثبوت المصلحة في صلاته ، فلا يقال إنّ وجود المصلحة مؤونة زائدة فلا تثبت بالعموم ، وأنّ العموم ساقط فيه لتوقّفه على تلك المؤونة الزائدة.
قال : وأمّا ثالثاً : فلأنّه بعد تسليم كون الظنّ بالحكم يلازم الظنّ بالضرر على
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٢٣.