وإن أراد أنّ الكاشف عن تدارك المفسدة هو عدم إيجاب الاحتياط شرعاً ، ففيه أوّلاً : أنّه لا وجه لكون عدم جعل الاحتياط كاشفاً عن تدارك المفسدة ، إذ ليس عدم جعل الاحتياط موجباً للوقوع في المفسدة كي يستكشف به تداركها ، لإمكان اتّكال الشارع على ما يحكم به عقل المكلّف من لزوم دفع الضرر المظنون.
وثانياً : أنّ الاستكشاف المذكور إنّما يسلم لو حصل لنا القطع بأنّ الشارع لم يجعل الاحتياط ، فلعلّه جعله ولم يصل إلينا ، هذا ما انقدح في نظري القاصر.
ولكن شيخنا قدسسره حسبما نقله في هذا التحرير قد أجاب عنه بوجوه فقال : وأنت خبير بما فيه ، أمّا أوّلاً : فلأنّ تدارك الضرر والمفسدة إنّما يجب إذا كان الشارع أوقع المكلّف في الضرر والمفسدة الواقعية الخ (١).
وفيه تأمّل أمّا أوّلاً : فلما عرفت في أوّل مباحث جعل الطرق (٢) من أنّ حصول العلم بالواقع ممتنع ، وليس في البين إلاّالطرق العقلائية. وأمّا ثانياً : فلأنّ دعوى عدم كون التفويت في الأُصول الشرعية مستنداً إلى الشارع ممنوع ، بناءً على ما هو المفروض من حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل بمعنى المفسدة ، فإنّه لو لم يجعل لنا الأُصول الشرعية النافية ، لكان العقل حاكماً علينا بلزوم التحرّز عن احتمال المفسدة ، فيكون جعل الأُصول الشرعية النافية موجباً للوقوع في المفسدة ، فيلزمه تداركها.
لا يقال : يمكن للمكلّف أن يحصّل القطع بعدم المفسدة اللازم دفعها بنظر العقل ، لأنّ تلك المفسدة أو المصلحة إن كانت لازمة التحصيل في نظر الشارع
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٢٢٢.
(٢) في الصفحة ٢٥١ وما بعدها.