بشيء جديد غير ما قلناه في ملاكات الأحكام ، فراجع وتأمّل.
وخلاصة هذا المبحث على طوله : هو أنّ قولهم إنّ الظنّ بالتكليف يوجب الظنّ بالضرر عند مخالفته ، إن كان المراد بالضرر في هذه الجملة هو العقوبة ، فهو ممّا يقطع بعدمه ، نظراً إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان. وإن كان المراد به هو الضرر الدنيوي المادّي الأجنبي عن ملاكات الأحكام ، فهو وإن حكم العقل في موارده بلزوم التحرّز منه ، وكان ذلك الحكم العقلي مستتبعاً للحكم الشرعي بقاعدة الملازمة ، إلاّ أنّه لا دخل له بما نحن فيه من الظنّ بالتكليف ، لما هو المفروض من خروجه عن عالم ملاكات الأحكام الشرعية. وإن كان المراد به ما يكون ملاكاً للأحكام الشرعية ، سواء كان ذلك مقصوراً على الأضرار النفسانية ، أو كان شاملاً للأضرار المادّية ، فهو لا يزيد على كونه ملاكاً للأحكام الأوّلية الشرعية ، وحينئذ يكون لزوم التحرّز عنه عقلاً وشرعاً تابعاً لقوّة ذلك الملاك وضعفه ، وهو ما تقدّم من تقسيم الملاك إلى القسمين المذكورين ، وأثر ذلك هو وجوب الاحتياط شرعاً بل وعقلاً في الأوّل دون الثاني ، فتأمّل.
ثمّ لا يخفى أنّ الضرر المظنون في المقام لو سلّمنا كونه دنيوياً مثل قلّة الرزق وقصر العمر ، بل مثل البعد عن العبودية وصيرورته من قبيل الرين على القلب ، فلا يبعد القول بأنّه من سنخ العقوبة ، غير أنّه عقوبة دنيوية ، وحينئذ يكون حاله حال العقاب الأُخروي في القطع بعدمه عند الظنّ بالتكليف ، استناداً في ذلك إلى قبح العقاب بلا بيان ، اللهمّ إلاّأن يدّعى أنّ ذلك من قبيل الأسباب التكوينية ، لا من قبيل العقوبة الإلهية الدنيوية. ولا يخفى ما فيه من البُعد. نعم إنّ ظاهر جملة من الأخبار المشتملة على التعليل بمثل تقصير العمر وتقليل الرزق ونحوهما ، أنّ ذلك من قبيل الأسباب التكوينية.