ثمّ إنّ قوله : إلاّأن يدّعى أنّ دفع المفسدة كدفع الضرر يجب عقلاً الخ ، لعلّه إشارة إلى أنّ نفس المفسدة التي قلنا إنّها ملاك التحريم ، وإنّها عبارة عن تلك الجهات النفسانية غير الراجعة إلى ضرر مادّي ، مثل موت الولد وقلّة الرزق ونحو ذلك ، فيدّعى أنّ تلك الجهة النفسانية من أهمّ الأضرار لدى العقل السليم ، أمّا الأضرار المادّية فليس الحاكم بدفعها هو العقل بل هو الطبع ، وهو ـ أعني الابتعاد عن تلك الأضرار والآلام المادّية ـ موجود في أقلّ الحيوانات فضلاً عن العقلاء ، فالذي [ ينبغي ] أن يكون من مختصّات العقل هو تلك الأضرار المعنوية النفسانية وهذه هي التي قلنا إنّه يجب على الشارع الحكيم أن يبعدنا منها بحكمه بمنعنا من ارتكاب ما تترتّب عليه ، وتحريمه علينا من باب اللطف ، وهي الحجر الأساسي في قاعدة الملازمة في استكشاف حكم الشرع من حكم العقل استكشافاً لمّياً وهي الأساس في قاعدة أنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد ، وأنّ الحكم الشرعي بتحريم الفعل الفلاني كاشف عن المفسدة كشفاً إنّياً ، فهذه المفسدة لا يمكننا القول بأنّها ليست في نظر العقل ضرراً يلزم بالابتعاد عنه. نعم إنّ هذا الضرر النفساني الروحاني وإن حكم العقل بالابتعاد عنه ، إلاّ أنّه لا يستكشف من هذه الحكومة العقلية حكم شرعي آخر غير ذلك الحكم الشرعي الناشئ عن تلك المفسدة.
نعم إنّ تلك المفسدة التي هي ذلك الضرر النفساني ربما كان له أهمية بحيث يحكم الشرع عند احتماله بالاحتياط ، كما أنّ العقل لأجل أهميّته لو أدرك تلك الأهمية يحكم أيضاً فيه بالاحتياط. وربما لا يكون له تلك الأهمية على [ نحو ] يتسامح فيه كلّ من العقل والشرع ، فلا يلزمان بالاحتياط ولزوم الابتعاد عنه عند احتماله. وبالجملة : أنّ هذا الضرر الذي هو نفس تلك المفسدة لم يأت