الاحراز والوسطية في الاثبات ، وصحّة الالتزام وصحّة النسبة إليه تعالى.
ولا يبعد أن يكون منظور شيخنا قدسسره من الحجّية هو النحو الثاني ومنظور الكفاية هو النحو الأوّل. ولكن لا يخفى أنّ الكلام إنّما هو في حجّية الأمارات وهي من النحو الثاني دون النحو الأوّل ، فتأمّل.
ثمّ إنّ لكون الظنّ حجّة على الحكومة طريقتين ، الأُولى : هي دعوى أنّه بعد تمامية المقدّمات يكون العقل حاكماً بحجّية الظنّ وكونه وسطاً في الاثبات. والثانية هي طريقة تبعيض الاحتياط. وما أفاده شيخنا قدسسره في هذا التحرير بقوله : وحاصله أنّه ليس من وظيفة العقل جعل الظنّ حجّة الخ (١) إنّما يرد على الطريقة الأُولى ، وأمّا الطريقة الثانية فلا يتوجّه عليها الإيراد المذكور ، لأنّ صاحبها لا يدّعي كون الظنّ بحكم العقل وسطاً في الاثبات. نعم يرد على صاحب الكفاية المفروض كونه ملتزماً بالطريقة [ الثانية ] من حجّية الظنّ على الحكومة وهي طريقة [ تبعيض ] الاحتياط ، أنّها لا دخل لها بما نحن بصدده من حجّية الأمارات التي أهمّ آثارها صحّة الالتزام والنسبة إليه تعالى ، فعدم صحّة الالتزام والنسبة في حجّية الظنّ على الحكومة لا دخل له بما نحن بصدده ، فتأمّل.
قوله : ومن أوضح مصاديق هذا القسم حكمه بقبح التشريع ... الخ (٢).
التشريع نوع من الكذب ، ويمكن إقامة البرهان على أنّ حكم العقل بقبح الكذب من قبيل ذي الملاك الواحد ، بأن يقال : إنّه لا ريب في أنّ ملاك القبح المذكور ليس هو مجرّد عدم المطابقة للواقع ، بل هو عدم المطابقة للاعتقاد ، وهذا يتصوّر بصورتين ، الأُولى : أن يكون المتكلّم معتقداً بعدم موت زيد ولكنّه
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ١٢٣.
(٢) فوائد الأُصول ٣ : ١٢٥.