عبارة عن لحاظ الواقع بما أنّه مشكوك ، وهذه الجهة مرتبة ثانية متأخّرة عمّا عرفت من وصول الحكم الواقعي إلى مرتبة الشكّ ببركة دليل الاشتراك. وهذه المرتبة ـ أعني المرتبة الثانية المعبّر عنها بلحاظ الواقع مشكوكاً ـ قابلة للجعل الشرعي ، إلاّ أنّه لو لم يكن جعل شرعي لكانت مورداً لحكم العقل بقبح العقاب من دون بيان.
ومحصّل هذا الحكم العقلي في الحقيقة هو الإدراك ، إذ العقل ليس بحاكم وإنّما وظيفته الإدراك ، فيكون حاصل ذلك أنّ العقل في هذه الدرجة يدرك قبح العقاب من دون بيان ، لا أنّه يحكم بالترخيص. نعم إنّ ذلك من اللوازم العقلية لذلك الإدراك ، إذ بعد فرض إدراك العقل قبح العقاب يحصل المؤمّن من العقوبة ، فلا يبقى مانع من الإقدام ، وذلك عبارة أُخرى عن الترخيص. وهكذا الحال في الموارد التي يحكم العقل فيها بالاشتغال أو بلزوم التوقّف والاجتناب ، كما ربما قيل به في خصوص المطاعم والمشارب ، فإنّ ذلك الحكم العقلي عبارة عن الإدراك الملازم للزوم الفراغ اليقيني أو للزوم التوقّف والاجتناب.
وهذا بخلاف البراءة الشرعية أو الاحتياط الشرعي أو قاعدتي الحلّ والحرمة فإنّها متكفّلة لأحكام شرعية ، ويلزم تلك الأحكام الشرعية لوازم عقلية هي التي كانت مورداً لتلك الإدراكات العقلية. فالأُصول الشرعية تعاكس الأُصول العقلية ، بمعنى أنّ ما هو لازم الأصل العقلي هو نفس ما يحكم به الأصل الشرعي ، وما هو نفس الأصل العقلي هو لازم الأصل الشرعي ، مثلاً المجعول في البراءة الشرعية هو نفس الترخيص ، ولازمه المعذورية وعدم استحقاق العقاب ، فيكون معاكساً للبراءة العقلية ، حيث إنّها عبارة عن نفس المعذورية وإدراك العقل قبح العقاب ، ولازم ذلك هو الترخيص ، ولكّنهما متّحدان في النتيجة وإن كانا