عند الشكّ في طهارة الماء الذي يراد الوضوء منه ، ونحو ذلك من المسائل التي لا يكفي فيها مجرّد الترخيص العقلي ، لقلنا إنّ جميع الأُصول الترخيصية غير الاحرازية ليست ذات تصرّف شرعي ، وأنّها إرشاد وتوضيح لما يحكم به العقل من قبح العقاب بلا بيان.
ولا بأس بنقل ما حرّرته عنه قدسسره في هذا المقام لعلّ أن يكون سبباً في اتّضاح مرامه قدسسره ، قال قدسسره ـ بعد أن أطال الكلام في كيفية جعل الاحتياط وجعل البراءة الشرعية ونحوها من الأُصول الترخيصية بما اشتمل عليه هذا التحرير وغيره ـ ما هذا لفظه : ولمزيد التوضيح لما تقدّم نقول : إنّ للشكّ جهتين ، إحداهما : من حيث إنّه صفة نفسانية متعلّقة بالواقع ، والأُخرى : من حيث كونه تردّداً وتحيّراً في الواقع ، ونعبّر عن الأُولى بالجهة الموضوعية ، وعن الثانية بالجهة الطريقية.
وحاصل الفرق بين الجهتين : أنّ الأُولى لا نظر فيها إلى الواقع أصلاً ، وإنّما النظر فيها إلى جهة الشكّ بما أنّه صفة كسائر الصفات ، وإن كان متعلّقاً بالواقع. والثانية فيها نحو نظر إلى الواقع ، بحيث يكون المنظور إليه هو الواقع بما أنّه مورد للحيرة والتردّد.
ثمّ الحكم الواقعي لا ريب في عدم إمكان وصوله إلى درجة الشكّ ، وإنّما يوصله الشارع إلى هذه الدرجة ويجعله محقّقاً في هذه الرتبة بواسطة جعل آخر ، وإلاّ فهو بنفسه قاصر عن الوصول إلى تلك الرتبة ، وذلك الجعل الآخر هو مفاد أدلّة المشاركة بين العالم والجاهل في الأحكام الواقعية.
ثمّ بعد الوصول إلى رتبة الشكّ وتحقّقه واقعاً في تلك الدرجة لا يخرج بذلك عن كونه مستوراً ومورداً للحيرة والتردّد ، وذلك عبارة أُخرى عن كونه مشكوكاً باعتبار الجهة الثانية من جهتي الشكّ ، أعني الجهة الطريقية التي هي