التكليف من حيث اقتضائه المعذورية ، على حذو ما تقدّم نقله (١) عنه قدسسره في جعل حجّية الأصل الاحرازي من حيث الجري العملي ، أو نقول : إنّ المجعول هو الأمر بالأخذ بطرف احتمال عدم التكليف. وعلى أي حال ، يكون هذا التصرّف الشرعي موجباً لقيام الاحتمال مقام العلم من حيث المعذورية ، كما شرحه شيخنا قدسسره وحرّره عنه في التقريرات المطبوعة في صيدا (٢).
ولا يرد عليه إشكال تفويت المصلحة ، لأنّ المفروض أنّ العقل حاكم بجواز الاقدام لقبح العقاب بلا بيان ، غايته أنّ مصلحة الواقع لم تكن قوية على وجه تستدعي حفظه حتّى في مقام الشكّ بجعل الاحتياط ، بل زيادة على ذلك كانت المصلحة في نفس هذا الجعل أعني جعل حجّية الاحتمال ، وهذه المصلحة هي الموجبة لجعله حتّى في مورد يكون العقل حاكماً بالاحتياط ، كما في موارد الشكّ في الأقل والأكثر ونحوها ، فلمّا رأى الشارع الحكيم أنّه لا مصلحة في ذلك الاحتياط العقلي ، لأنّ مصلحة الواقع لم تكن بتلك القوّة ، وكان في نفس جعل حجّية الاحتمال مصلحة غالبة على مصلحة الواقع في اقتضائها جعل الاحتياط ، فقد جعل الاحتمال حجّة للمكلّف ورفع موضوع الاحتياط العقلي ، ويكفي في صحّة حجّية الاحتمال ترتّب هذا الأثر ، وهو دفع توهّم وجوب الاحتياط شرعاً ، فلا يكون ذلك الجعل لغواً لكون العقل حاكماً بقبح العقاب بلا بيان.
ولو لم يكن في البين مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين ، وأنّ العلم الاجمالي غير منحل ، وأنّ البراءة العقلية لا تجري فيها ، وأنّ الجاري هو البراءة الشرعية ونحو ذلك ممّا لا ينفع فيه مجرّد الحكم العقلي بالترخيص ، مثل قاعدة الطهارة
__________________
(١) في الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٢٩٩ وما بعدها.
(٢) أجود التقريرات ٤ : ٤١ ـ ٤٢.