أمّا تأخير البيان عن وقت الحاجة فقد عرفت الحال فيه ، من جهة أنّه لا يكون إلاّمن جهة طوار وعوارض زمانية أو زمنية ، أو عدم لياقة المكلّفين بعد ونحو ذلك ممّا يمنع الشارع من إصدار البيان ، فلا يكون عدم صدور البيان منه موجباً لكون الشارع هو السبب في فوت المصلحة عليهم أو وقوعهم في المفسدة.
وأمّا موارد الأُصول النافية وأهمّها البراءة ، فإن كانت في مورد عدم صدور البيان من الشارع ، فذلك عبارة أُخرى عن تأخير البيان الموجب للرجوع إلى الأُصول اللفظية في ذلك المقام ، أو الأُصول الحكمية النافية في هذا المقام ، وقد عرفت الحال في ذلك. وإن كان في مورد صدور البيان من الشارع لكنّه لم يصل إلى هذا المكلّف أو لم تقم فيه الحجّة عليه ، فذلك راجع إلى قصور في ذلك المكلّف بأحد الوجوه المتقدّمة الموجبة لعدم وصوله إلى الواقع ، وقد عرفت الحال فيه وأنّه لم يكن وقوعه في ذلك في خلاف الواقع مستنداً إلى الشارع. نعم من الممكن في المقام أن يوصله الشارع إلى الواقع ، بأن يأمره بالاحتياط ، لعدم لزوم محذور في الاحتياط في خصوص هذه الموارد القليلة ، لكن مصلحة التسهيل قاضية برفع الاحتياط وسقوطه بجعل الأصل النافي الذي هو البراءة ونحوه من الأُصول النافية ، فإنّ التزاحم إنّما يقع بين المصلحة الواقعية في اقتضائها إيجاب الاحتياط والمصلحة التسهيلية في اقتضائها الترخيص الفعلي ، وحيث كانت الثانية أقوى التجأ الشارع إلى رفع الاحتياط ، وجعل الترخيص في هذا الحال أعني حال الجهل العذري. ولو كان الأمر بالعكس ، بأن كانت المصلحة الواقعية في اقتضائها الاحتياط أقوى من مصلحة التسهيل كما في الدماء والفروج ، كانت هي المؤثّرة وكان على الشارع إيجاب الاحتياط.