لكن قد بقي حتّى الوقت الفضيلي ، فلا مصلحة ولا سلوك كما هو صريح قوله في هذا التحرير : فإن كان انكشاف الخلاف قبل مضي وقت فضيلة الظهر فلا شيء للمكلّف ، لأنّ قيام الأمارة على الخلاف لم يوجب إيقاعه على خلاف ما يقتضيه الواقع من المصلحة ، لتمكّن المكلّف من استيفاء مصلحة الواقع بتمامها وكمالها حتّى الفضيلة الوقتية (١) ، وإنّما يكون السلوك بمقدار التفويت.
ولم أتوفّق للوجه في ذلك ، فكأنّ الأمارة في هاتين الصورتين لم تقل للمكلّف شيئاً ، وكأنّ المكلّف لم يصدقها ولم يعمل على طبقها ، وإنّما تكون الأمارة حاكية للمكلّف ، والمكلّف سالكاً لها فيما أوقعته في محذور مخالفة ما ، فإن أوقعته في محذور مخالفة وقت الفضيلة فكأنّها تقول له ليس في البين وقت فضيلة ، وهو قد صدّقها وسلكها وعمل على طبقها في هذا المقدار من الحكاية ، فهذا المقدار من السلوك له مصلحته وهي تتدارك ما فاته. وفي صورة كون الانكشاف بعد خروج الوقت كأنّها تقول ليس في البين واجب آخر موقّت ، وهو قد صدّقها وسلكها وعمل على طبقها بذلك المقدار ، فذلك المقدار من السلوك له أيضاً مصلحته ، وهي تتدارك ما فاته بذلك السلوك. وهكذا الحال فيما إذا لم ينكشف له خطؤها إلى الموت ، فإنّها تقول له ليس في البين واجب أصلاً ، وهو قد صدّقها بذلك المقدار.
هذا هو المتحصّل من هذه العبائر التي نقلناها عنه قدسسره. والعمدة في تحمّله قدسسره هذا التمحّل هو الفرار عن لزوم الاجزاء وعدم القضاء ، لكنّك قد عرفت أنّه يمكن الالتزام بلزوم الاعادة والقضاء من دون حاجة إلى هذا التمحّل ، وذلك بما عرفت ممّا أفاده قدسسره من كون هذه المصلحة الحاصلة بالسلوك مصلحة أُخرى لا
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٩٦.