ومنه يظهر أنّ هذا الإشكال أعني لزوم ما هو من قبيل التصويب لا يختصّ بالمصلحة السلوكية ، بل هو جارٍ في المصلحة التسهيلية حرفاً بحرف ، فإنّ المكلّف في مورد كونه متمكّناً من الوصول إلى الواقع ، لا معنى لأن يسوّغ له الشارع العمل على طبق الأمارة المفروض كونها مفوّتة له لأجل ملاحظة التسهيل عليه أو على نوع المكلّفين على ما مرّ شرحه (١) ، إلاّالتنازل عن المصلحة الواقعية واقتضائها الالزام في ذلك.
نعم ، هناك شيء آخر لعلّه يومئ قدسسره إليه في اختلاف الرتبة وهو بقاء الالزام بالواقع ، ولا ينافيه تسويغ العمل بالأمارة لأجل اختلاف الرتبة ، وكأنّ ما حرّرته عنه قدسسره صريح في هذه الجهة وهذا نصّه :
ثمّ لو تنزّلنا عن هذا الذي ذكرناه من كفاية المصلحة النوعية التسهيلية في تفويت المصلحة الشخصية الواقعية ، وقلنا بعدم كفايتها في تفويت المصلحة الواقعية ، فلا محيص لنا حينئذ من الالتزام بالمصلحة السلوكية ، لكن لابدّ من تقريبها على وجه لا يكون راجعاً إلى القول بالتصويب ، وتوضيح ذلك : هو أنّ الأمر الظاهري لو كان في عرض الأمر الواقعي لورد عليه الإشكال المشار إليه الذي حاصله : أنّ الأمر الظاهري إن كان طريقياً صرفاً وكان عارياً عن المصلحة بالكلّية لزم تفويت المصلحة الواقعية ، وإن لم يكن كذلك بل كان ناشئاً عن مصلحة توجبه ، فإن كانت تلك المصلحة مساوية لمصلحة التكليف الواقعي ، كان مقتضاه التخيير بين التكليفين ، وإن كانت مصلحة الأمر الظاهري أقوى من مصلحة التكليف الواقعي ، وقع الكسر والانكسار بين المصلحتين ، وكان التكليف تابعاً لأقوى المصلحتين ، وحينئذ يكون التكليف الواقعي اقتضائياً لولائياً ، بحيث إنّه لو
__________________
(١) في الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٢٥٩ وما بعدها.